الثلاثاء، 2 ديسمبر 2014

حكايات الليل الضائعة



بداية دعني أقول لك أن ليس كل شيء يشابه ما يبدو عليه، كما عليك معرفة أن هذا المقال شخصي بحت، فكل ما كتب هنا من وحي الخيال الحي، إلى ريم وإلى الأصدقاء وإلى الليل الذي لم أعش غير فيه، دون ندم أو أمل.

(1) بنت اسمها ريم

الشارقة، الإمارات
2013

تقف بعيداً، تسمو بجميع معاني الجمال فوق صخرة مطلة على الخليج. سارحة هي في ذلك الفناء الأسود بلا هدف. عالية تحلق ولا يلحظها أحد وكأنها غير موجودة. يبتلعها السواد وتبرق من خلاله عيناها الأكثر سوادا. على رغم كل ما في جسدها من ملذات لم أرمقها بشهوة قط. المكان لا يخلو من الضجيج، هي لا تهتم، تقوم فرقة موسيقية بالعزف فأطلب من أحدهم الأوكرديون الخاص به وأنطلق بالعزف منفرداً. نعم نعم، لقد لفت إنتباهها، أستمر في العزف وتتابعني بعيناها التي كدت أن أبدي كل عجزي أمامهما، لوهلة شعرت بها تتراقص على أنغام الموسيقى أمامي من ثم أدركت أن الدنيا هي التي تتراقص بي. مثل عازف الجنة كنت أنا !

أنتهيت أخيراً فقام بالتصفيق لي قلة قليلة حولي، استوقفتني وقالت لي بهدؤ انتزعني "برافو"، انتابني الشعور بالارتباك، في حياتي ما أستوقفتني فتاة لم أك بسابق معرفة بها. في حياتي لم تستوقفني فتاة أردتها كهذه، من النظرة الأولى وانسدالل الشعرة الأولى على قلبي. سألتها بمرح طفولي كنت أظن أنني لم أعد أملك نيف منه "أنتِ اسمك ايه؟".. ومن هنا بدأ كل شيء.

تدعى "ريم"، لبنانية، شيعية المذهب، العائق الأول الذي لم أهتم به أبداً، ثلاثة أيام يا ريم كنا معا. ثلاثة أيام حضرت بروحها في الأول وحضرت بنفسها وروحها وجسدها في الاثنين الباقيين. كانت صريحة معي للغاية وأعترفت لي بأنها لا تحب المصريين وأنني حالة خاصة بالنسبة لها، فأخبرتها بأن هذا لا يضايقني كثيراً فأنا أيضاً لا أحب أحداً. الغريب أنها تحب الأدب وهذا ندر ما وجدته في فتاة، خاصة عندما تكون حسناء، متابعة للقضية الفلسطينية بل ومؤيدة ثائرة من أجلها. لقد كانت، بلا مبالغة وبلا أن أشعرها أيضاً بهذا الأمر، ملهمتي. قضينا يومين ولا في الأحلام. ماذا فعلنا؟ ولا شيء. لقاء على شاطيء الشارقة الأسود و غيره في دبي، حكت لي كل ما جرى. كانت الأم والحبيبة والوطن.. تولدت قوتها من حبي وتولد حبي من ضعفها، أول قبلة على شفتاي، أول حب حقيقي وأشياء أخرى أبخل بالحكي عنها حتى لنفسي.

الآن، أين هي؟ هي الذي ظن الجميع أنها مجرد خيالات تتداعى من أفكاري، هي التي كتبت فيها القصص والأشعار. تبادلنا الرسائل من الكويت إلى الولايات المتحدة ومن الولايات إلى الكويت، أنتهى الأمر لما سألتني عن مصير علاقتنا وأنا "السني" و هي "الشيعية" فكيف ستكون نهايتنا؟ طلبت منها أن لا تأبه، ففعلت ولكنها لم تأبه بي أنا. كأن البعد يثقل القلوب هموما وينسيها الوعد الذي كان. تبادلت الرسائل مع ريم بريدياً كما لم يفعل أحد في هذا الزمان، وقد انقطعت الآن عني لينقطع وراءها كل شيء وهكذا سأوجه رسالتي لك حالاً يا ريم، في الليل، كما رأيتك وتلاقينا، وكما أحببنا بعضنا، ومثل ما هربنا وعرفنا بعضنا البعض، لعلك تقرأينها :
 حبيبتي ريم، لقد أصبح كل شيء روتيني للغاية إلى حد الملل.. على عكس ما عهدتيني بالأمل و التفاؤل، أنا محبط.. يائس من حياتي عديمة القيمة و الأهمية، أصبحت محاطا بالأغبياء الذين لا يتفهمون إختلافي معهم، الإنسانية وعزة النفس والحب والثورة.. كلها وغيرها من المعاني التي أملنا وجودها ما هي إلا كلمات نثرت من العدم لتعود إليه.. لا تنسِ المرسال الذي وعدتني به بدل اللقاء منتهِ المصير .. دائماً سأكون هناك، منتظر.

(2) ضحك وحزن وهم

المنيل، القاهرة
يوليو 2014

فور وصولي إليها وفي أول لقاء لي معه فيها يحدثني صديقي ع.س عن حال البلد الذي ساء وأصبح لا يحتمل. نفسيات الناس السيئة والتعامل الاإنساني. الصدمة من الواقع المعاكس لهراء الشاشات الصغيرة الناقلة الحال لنا ونحن هناك، في الكويت، والأهم من كل ذلك هو الأسى الغير ظاهر في لهجته عن فشل الثورة. ابتسم وأقول له بأمل كاذب "ليه كدا بس؟ ما البلد أهي زي الفل". فما يلبث أن يسخر مني.

أعرف ع.س جيداً، حين يريد أن يخرج من موقف محرج أو مرير فهو يلجأ للسخرية والدعابة مباشرةً، ولذلك، في هذا الصيف بالتحديد، كان أكثر ميلا في أغلب الأوقات إليها، ولن أنكر أنه كان في عز "مسخرته" أثناء السخرية من أي شيء. كنت أضحك، أغرق في نوبات هستيرية من الضحك، ثم تخاطبني نفسي فتطلب مني ألا أفرح كثيراً، فما هذا إلا ضحك مجروح يداري وراءه الكثير. أحاول أن أكذب نفسي و أفشل. أصمت. أنظر إلى النيل الذي لم أحبه يوماً لمقارنتي له مرغما ببحر الاسكندرية.. موطني الأول والأخير..

لما عاودت النظر إلى ع.س بعد انتهاءه من السخرية كانت عيناه مليئتان بالهزيمة، طلبت منه هو و م.ف رفيقي الآخر الذي كان معنا أن أدخل إلى مسجد قريب من أجل إفراغ حاجتي في حمامه، دخلت الحمام وأغلقت على نفسي بإحكام وكأن أحداً ينتظرني في الخارج ويراقبني، وبدأت في مسح الدموع، دموع القهر.

(3) عن خيبات الأمل المتكررة

أبوحليفة، الكويت
أكتوبر 2014

في طريق العودة، يكلمني ع.م عن الفتاة التي يحبها، أقوم بإخباره بأنها ليست على القدر الأخلاقي المطلوب كما يظن، وإن لم أرى ذلك بعيني فيكفي أني سمعت، هكذا يتطلب مني واجب الصداقة و"الرجولة"، أو في واقع الأمر قد أكون فعلت ذلك ﻷرضي ساديتي فقط. لا أعلم. يتلعثم ولا يتوقف عن سرد كيف يعشقها، هو ليس صريحاً، تارة يعترف بجنونه بها و تارة أخرى يعلن أنه لن يتأثر إذا لم يظفر بها. يبدو نسيم الهواء قوياً والطرقات خالية، تمر طفلة وحيدة في الناحية الأخرى من الشارع فيقاطعنا الصمت ويعطي كل تركيزه لهذه الطفلة ليصيبني الشك باحتمالية أن تكون هي.

كليلة شتاء باردة كنتِ أنتِ !
ندمت على قولي لصديقي كل ما قلت، هل علقته بك أكثر أم خلقت بينك وبينه حلقات مفرغة لا يوجد ما يملأها؟ فهو يقترب منك ويبتعد خوفاً من كلام الآخرين، أقول له أنني كاذب، هم كاذبون فاشلون، لا يسمع ولا يبتعد عنك أو يقترب، يرقص على سلم سيأخذه ليرتطم على وجهه في الضفحة الأخيرة من القصة. في لليل على جسر ممتد في البحر يحك عنك بحزن عميق للأشجار والقمر والنجوم، يحك عنك لكل ما في الكون إلاي، وتحطمي أنتِ قلبه بتجاهلك ليعاتبني بنظرة لوم أبدية.

(4) معتقلات

أبوحليفة، الكويت
28 نوفمبر 2014

لو كان الشواء رياضة لكنت بطل العالم فيه، أحب الشواء لما فيه من ألفة وروح حميمية بين الأصدقاء، بين المشعل والشاوي والواضع والآكل، كل الوظائف المتبادلة والحكايات كذلك،  تشتعل النيران لتدفئ أرواحنا كالقمر في قلب السماء، نغني مع بعضنا أغان مختلفة ولا أندمج إلا مع آنسة الفن فيروز والرحباني في رثائه المعظم لنا

"يا عود يا رفيق السهر يا عود
متكي على المخمل بتتوجع
وتروح عا آخر دنيي و ترجع
تكتب و تمحي حدود يا عود
إحكيلي عالسهريات
بقصور كلها رخام و نوافير
وتشعشع الكاسات
عخصور تتلوى وحرير يطير
بحيرات مي ونار
وصوتك يشتي قمار
يشتي حلا غيم وزنابق سود
يا عود"

أكان للأمر علاقة بزياد رحباني؟ وقد كان هو من ترك لبنان لحزب الله خوفا من الاصطدام أو العتقال، بصراحة، وصفع إيانا بالقوي، تسلسلات قهرية استمرت و أنهاها زياد بما فعل مما ترك فينا بصمة محزنة قاتمة. في أعماق الخليج يقف الصديق ه.ش بعيداً بعيداً، رافعاً بنطاله إلى ركبتيه واضعا سماعات الهاتف في أذنه كمن لم يعد يهتم بأي كان. بالطبع نحن نعرف ما كان يفكر فيه. الأمر سهل للغاية وبالرغم من ذلك أصعب ما يكون. هو يفكر في أخيه الذي في المعتقل في مصر، أم الدنيا، أخيه الذي لم يفعل سوى أن جلس في البيت ليفتن عليه أحد كارهيه بأنه تابع لجماعة الإخوان ومن هنا بقي خلف القضبان وحيداً حائراً بكل الظلم الذي في الدنيا. لو كان ه.ش هو الذي أعتقل لكنت صدقت الأمر وأستوعبته لتمرده وصموده ضد الظلم وعدم الخوف، بينما أخاه الأكبر لم أسمع صوته في كل المرات التي شاهدته فيها في حياتي.

 ترى كم مرة سخط الحكومة؟ السياسة؟ المسؤولين؟ الشعب؟ البلد؟.. مشيت إليه بخطوات متثاقلة فتفاداني موجهاً وجهه نحو الجهة المعاكسة، سألته "مالك" فأشار إلي، والمرارة على وجهه، بأصبع واحد يعني منه أن سنة كاملة قد مرت ومضى.
نذهب بعدها لقهوتنا التي شهدت أعظم ليالينا بكل بؤسها وما تبقى فينا من دنيا، وسط الحديث يأتي أحد الجالسين بسيرة أحد أقاربه والذي كان، كما روى، في لجنة الخمسين لينطلق صديق آخر بلهفة وحسرة في آن واحد لم أرهما فيه من قبل ليقول "ايه دا؟ يعني ممكن دا يتوسط لابن خالتي عشان يطلع؟" يسود الصمت. استفسر عن ابن خالته الذي أول مرة أسمع عنه وعن اعتقاله مع العلم أن علاقتي بهذا الصديق وطيدة، لأعرف من التفاصيل أنه طالب في كلية طب و قد تم اعتقاله من ضمن الذين اعتقلوا أيام المجلس العسكري. نحلم في هذه الجلسة بالسفر، في أي مكان لا ينتمي لهذه العروبة، نحلم ونتناقل اسماء البلاد ونسافر إليها حين ننام على سريرنا بعد العودة للمنزل.

ثاني يوم، أستيقظ متأخراً في الليل لسهري الطويل في اليوم السابق، أول ما فعلته هو سؤالي عن نتيجة محاكمة طاغية مصر وناهبها حسني مبارك لأعلم ببراءته، أشعر بصدمة لا تنتهي، يضيع تركيزي ووقتي في العدم، تكلمني ه.و ولا أرد. أكتب هذه القصيدة :

أنا قلت ألاقي حياة
أنا قلت أكون مبسوط
أنا قلت اعيش ويا
الثورة في الملكوت
والحلم ماتحققش
والحكم كان ظالم
غدر القرار موت
قلبي اللي كان حالم
الحلم كان رحلة
والرحلة حدوتة
فالرحلة ملغية
حكاويا ملتوتة
عشق الجبان لأمان
كداب في تفاصيله
خلاه يجيب الوهم
ويبيع قصاده الروح
الروح في روح الله
ومن باع الله مجروح
كدب الحياة زايف
والحق مسيره يبان
الحق مش خايف
وفي يوم من الأيام
لما أشوف البنت
وأبوسها في خدودها
-البنت (حورية)-
مخرجتش ع حدودها
فمجالهاش الخطاب
لجل الشرف والصون
عمره ما دق الباب
ساكت سكوت الكون
وفي مرة حورية
راحت بعلو الصوت
تقول : يا حرية
رعبت وحوش وأسود
بس الحياة صايعة
والغدر عنها غريب
فارقت (حورية) حياتنا
على أمل إن احنا نجيب
حق اللي مات في الوحدة
حق اللي ماتوا بصمت
لكن ظروف المحنة
ضعفت فينا الآمال
همومي على كتافي
ماشي كما الشيال
باخد على قفايا
عمال أنا عمال،
الرقص على قبرها
شغال ولا الأعياد
والميتين وسطها
في سماهم لفوا بلاد
والحزن ماخلصشي
ورضاهم صار ممنوع
نقول يا معلشي
فتلف الكلمة نجوع
نجوع لأكل وروح
نسكت ساعات ونبوح
يجي الظالم وتفوح
ريحته الزانية
والضربة القاضية
الضربة الخاينة
قتلت فينا الأحاسيس
قتلت فينا الأحلام
دمي في بلدي رخيص
ومن غير أي كلام
مشى وسابنا البدر
طبع بلدنا خسيس
طبع بلدنا الغدر..
.
ثم أنام بعد هذه القصيدة التافهة، ولأول مرة في الليل !

إيهاب ممدوح
ExAy7@

الخميس، 27 نوفمبر 2014

خاتمة الإله الأخيرة




يقال أن الشعب المصري يعشق صنع الآلهة. الجديد اليوم أن القارئ المصري أصبح كذلك! لا أود أن أكون قاسياً، لكن “إنما للصبر حدودًا”.

لقد نصبه الكثير من الناس _رسمياً_ إلهًا، و الإله لا يحاسب و لا يسأل عن أفعاله، لذا سيتهمني نفس الناس في ما سأقول بالكفر، أنا حقاً لا أكترث، فأنا لا أعرف غير إله واحد بالتأكيد ليس هو، ما هو إلا صنم كبير سيلقى حتفه بمرور الزمن ليتركه الناس و يعبدوا غيره، أو على أقل تقدير سينسى لو دخل في قلبهم الإيمان.

قرأت له العديد من أعماله و تعجبت ليس مما وصل إليه، كلا، فأنا أعلم أن النجاح لا يعتمد كلياً على الجودة كما تعتمد نسبة كبيرة منه على الرزق و النصيب! كل ما جعلني أتعجب إلى حد الجنون هو عدم ادعاءه بالعبقرية أو معرفة بواطن الأمور فقط، لا، أصبح هذا أمراً معتاداً في الوسط الثقافي و جميع الأوساط الفنية و غيرها عامةً، لكن الوصول للتأليه كانت مرحلة جديدة من جنون العظمة لم نتعامل معها من قبل، أعود لأقول: الفرق ليس كبيرًا، في النهاية كلهم فاشلون.

بدأت له بالنبطي فبدأت أشكل فكرتي عنه بأنه “يأخذ في تمجيده أكثر مما يستحق” لكن لم تمثل هذه الفكرة أي مشاكل لي معه و لم تشكل عائقاً أمامي للاستمرار في قراءة باقي أعماله، لما تمعنت في قراءة كل من (محال) و(جوانتنامو) لم أجد سوى أسلوب ساذج في عرض الفكرة كما لو كان يسرد قصة أطفال، والمفترض أن ينبهر الجميع بعدها، و الغريب أن هذا ما حدث!

الأغرب أن هنالك نية لإكمال هذه المهزلة عن طريق جعلها ثلاثية، و هنا يأتي على بالي الإله أحمس لسبب مجهول.

لكي أكون محقاً فقد أبدع في (عزازيل)، ولكن هذا لا يعطيه الحق في أن يتنصب علينا إلهاً، فلو كانت هكذا لكان لنصرالله إبراهيم أو بهاء طاهر مثلاً الحق في خلق الآلهة، و هي مرحلة غير موجودة افترضت أنها أعلى من الإله ذات نفسه، أو بطريقة أخرى: كان من حقهم يضربوننا بالنار. أتذكر في مرة حكى لي صديق أنه كان في تجمع صغير و قال: “د.أحمد خالد توفيق كان محقاً لما قال أن عزازيل هي رواية الإله اللعنة، فهو لم يكتب غيرها”. لترد عليه صديقته: “عزازيل هي روايته اللعنة حقاً، لأنه لم يكتبها أصلاً”. أبحث في هذا الموضوع فتظهر حقائق كثيرة تدل على مصداقية كلام الفتاة، أنتهي من البحث ولا أهتم.

يظهر بوضوح على الفيس بوك ما يسمى بـ”خطرفة الإله”، فتارة يدعي الديمقراطية و الانفتاح و تارة يحظر معارضيه في الرأي حتى لو كان باحترام خالص، مرة يهاجم الشباب، الثوار منهم بالتحديد، بشكل غير مباشر و مرة ينادي بحرية ماهينور المصري! أحياناً يسخر من جهل الناس و أحياناً يذم السخرية مدعياً أن من نسخر منهم لم يختاروا ما هم فيه بمحض إرادتهم.. المزيد المزيد من “الهرتلة”!!

كل هذا مقبول، فالهذيان مباح للجميع، و لا أريد أن يعتبرني أحد من أعداء النجاح، و ليكن، ليُقل ما يقال طالما أني أقول ما آراه.. لم أقرر أن أكتب هذا المقال إلا حينما تكونت مشكلتي الحقيقية معه، و مشكلتي كانت أنه صدق كونه إلهًا أي “صدق نفسه” فعلياً، فقد ادعى مؤخراً بأن مذبحتي صبرا وشاتيلا قام بهما العرب وأن الصهاينة منها براء!

السؤال هنا لماذا؟ لماذا تفعل كل هذا؟ هل أصبحت الشهرة و إثارة الجدل حولك لإلقاء الأضواء على سيادتك أهم من فلسطين و الفلسطينيين؟ بسهولة اتهمت من عاشوا و ماتوا في بؤس بالخيانة لتزداد رفاهيتك الفانية؟ إنها لمأساة حين يخرج هذا الكلام منك، فأنت إله عظيم، كما سمعت، و كنت أظنك أفضل من ذلك، السهولة التي أعلن بها هذا الكلام تتناسب طردياً مع شجاعة الفلسطينيين الذين لم يؤلهوا فيه أشخاصًا مثلك!

ولو خيرتني بين السهولة و الشجاعة، و هما ليسا بصفتين متضادتين، لاخترت، بافتراض التضاد، أن أعيش بصعوبة أو أموت شجاعاً على أن أعيش سهلاً متناقضاً أغني لكل من لم أستطع أن أكون عليهم إلهاً نفس الجبان.

حاولت أن أضع نفسي مكانه لمدة ليست بقصيرة حتى أفهمه فخرجت منه بخاتمة روايته الأخيرة، وكانت الرواية عنه هو، و ها أنا أرجعها إليه:

“أنا.. من أنا؟.. أنا الإله الذي اختاروه ليعبدوه بعد أن تاهوا بين زحام الآلهة في خيالاتهم، أنا الإله المؤيد منهم لفعل كل شيء و أي شيء أريده مقابل أن يتلذذوا بعبادتي، هم يعشقون العبودية وقد أتى دوري لأكون إلههم، أرادوا أن يجدوا إلهاً جديداً بعد أن مات الآلهة الذين سبقوني في قبور أفكارهم. هم يشغلون أنفسهم بعبادة ربهم _الذي هو أنا_ بنفس المقدار تعاطيهم للمخدرات، أنا الإله الذي قرروا أن يتعاطوه مع المخدرات ليهدئوا من روعهم قليلاً.. تعاطوا المخدرات لكي ينسوا مآسي حياتهم، ونصبوني إلهاً لكي ينسوا إله الآلهة و رب الأرباب الذي لم ينسهم يوماً.

حاولت كثيراً أن أتنازل عن هذا المنصب و لكن في البداية كنت خائفاً من اللعنة و السخط، أما بعد أن توليته و مضيت فيه وقتاً، رأيت مميزاته و نعيمه فأيقنت أنني لن أعرف كيفية تركه أبداً.. حتى إن خرجت عليهم لأخبرهم بالحقيقة فماذا سيحدث؟ سيختارون إلهاً آخر مثل ما اختاروني و مثل ما سيفعلون بعد موتي. إن عقيدتهم في العبودية لا تتغير، ثابتة، إلى النهاية. حتى هؤلاء غير السعداء بتنصيبي إلهاً فهم لا يفرقون عن غيرهم بشيء، أولئك رفضوني ليس لتمسكهم بالحقيقة الواحدة بل لتمسكهم بإله آخر من نفس الكوكب!

ربما سيأخذون ذنوباً لا حصر لها بسبب عبادتي مما يجعلهم ضامنين دخول النار رغم كل ما فعلوه من طاعة و عبادة!ً مع ذلك أعي جيداً أنني سأدخل الجنة. فأنا لم آمرهم يوماً بأن يعبدوني و ما أجبرتهم على ذلك قط. أود أن أشكر أول شخص فكر في فكرة عبادة إله من الأرض، من نفس كوكبه و خلقته، حقاً أنا مدين لكم بالكثير. الآن سأعيش ليعبدوني، و غَداً سأموت لأحظى بالجنة، يا لي من محظوظ! شكراً يا مغفلين!”.

في نهاية المقال أود أن أقول عزيزي القارئ بأن لك حرية الحكم على هذه الخاتمة، فإن وجدتها سيئة عبثية خزعبلية متكبرة فقد أثبت نظريتي في الإله الذي تكلمت عنه و وضعت نفسي مكانه و أنا أكتب خاتمته أثناء عده التنازلي. أما لو وجدتها جيدة ممتعة عظيمة رائعة فتذكر أيضاً أن من كتبها هو أنا و بذلك أكون قد حجزت دوري في طابور الآلهة لتعبدني يوماً في الحياة و أدخل الجنة بعدها في الآخرة، هناك حيث لا يوجد إلا إله واحد.

_______________________________________

تم نشر هذا المقال في ساسة بوست بتاريخ 14 نوفمبر 2014.
لمشاهدة المقال من هنا.



إيهاب ممدوح
ExAy7@

لماذا أكره أدب نجيب محفوظ؟



مشكلتي مع أدب نجيب محفوظ لا تنتهي.. في البداية يجب أن أقول لمن فكروا في الوهلة الأولى التي قرأوا فيها العنوان بمهاجمتي أن المشكلة لا تتعلق بالطبع بالقيمة و الاتقان في الكتابة، فهذا الموضوع بالتأكيد لا خلاف عليه بنسبة كبيرة على الأقل، إنما هو أمر شخصي بحت ولكنه بالتأكيد أعوص و أصعب.. نجيب يتحدث عن الحارة.. عن البلد التي قالوا لي أنني أنتمي لها و إلى الآن لم أصدقهم.. يحكي حكاياتها و يتكلم عنها بجرأة دون أن يخاف من ذكر مساوئها و لكنه نهاية بشكل ما، حاولت كثيراً أن أعرفه و باءت محاولاتي بالفشل، يجعلك تحبها حتى لو لم يذكر لها حسنة واحدة، و حتى إن كانت النهاية مأساوية فسيظل ذلك السحر الخفي موجود و بقوة.. في الواقع، الواقع الذي كان يتحدث عنه نجيب تطور كثيراً تغيرت فيه أشياء لا حصر لها تغيراً جذرياً و لم يبق منه سوى السخط الذي بقي كما هو إن لم يزدد عن ما سبقه بمراحل عدة.. أكره أدب نجيب محفوظ لأنه يذكرني بما مضى و بما سيأتي.. يذكرني بأن "ولاد الحارة" لن ينتصروا أبداً على الفتوة حتى لو أدعوا ذلك بنصر زائف لينصبوا بعدها فتوة آخر لا يختلف عن من سبقه سوى في الشكل و المنظر، لن ينقطعوا عن عبادة "الفتوة" مهما تغير أسمه و شكله بل أنهم سرعان ما سيأتوا بواحد جديد بعد انتهاء من قبله ﻷنهم لا يستطيعون العيش بدونه و دون ظلمه.. يحزنني عندما يقول لي أن آفة حارتنا النسيان والتي مهما تغيرت فالنسيان هو مصيرها.. صراحةً أكرهه ﻷنه يجعلني عاريا أنا و بلدي أمام مرآة واضحة لا يوجد بها خطأ.. لماذا تفعل بنا ذلك يا نجيب؟.. أحمد الله أنك لست موجوداً الآن، في كتاباتك الماضية كانت الكراهية تتمثل على أنها عاطفة إيجابية تحاول من خلالها جعلنا أن نتغير أو على الأقل ألا نصبح أسوأ.. للأسف لا أحد يقرأ و التوغل مازال في ازدياد لانهائي.. لو كنت هنا الآن لكنت ستصرخ و تصيح في أدبك حتى تجعل من يقرأ لك لا يحتمل ليس فقط أدبك بل الحياة كلها.. و هذا ما حدث لي مما مضى فقط !

أكره أدبك يا نجيب و أفضل أن أتوه في أدب آخر في مكان آخر بلغة أخرى ولا أعي خطورة الأمر.. مثلاً أن أرافق أدب باتريك موديانو و الذي لا يقل عن أدبك في السرمدية و الضبابية، و لا يختلف عنه في الريبة و الخوف و البحث عن ملاذ لا يوجد.. الميزة فقط هنا أنه قد يصحبني في نزهة ليلية في الشتاء لشوارع باريس المضيئة التي طالما تمنيت أن أذهب إليها و أوقن لسبب مجهول أنني سأموت دون أن أفعل ذلك.. الفكرة لا تتوقف على باتريك فقط، و الذي هو مجرد مثال، بل تنطبق على كل من سيصحبني إلى مكان آخر أعيش فيه حياة أخرى.. لا أعلم لماذا أقول كل هذا الكلام و لكن أنا أكره أدبك يا نجيب ﻷنك تخبرني بأننا لن نوجد من جديد و هذا ما لا يؤلمني لكن ما يقهرني هو أنك تواجهني بمصيري في بلد لا أنتمي له كما تخبرني أيضاً بعدم مقدرتي على الإنسلاخ ﻷكون شخص أو شيء آخر ﻷنسى العربية قراءة و كتابة.. أتعلم؟ أرى خلف ابتسامتك في أغلب صورك حزناً ثابتاً له رائحة خاصة لا أتوه عنها.. حزن عندما أراه ألعن كل تلك الأشياء الجامدة في البلد.. ألعن حتى نفسي و الناس و الزمن و النجوم...

صرخت كثيراً في رواياتك، بلا صوت، بلا أمل، و ضاعت القيمة الحقيقة في أدبك وسط أصوات المهللين الأغبياء و لم يسمع أحد ما كنت تقوله بين السطور.. مع ذلك أنت لم تتوقف عن الصراخ، و أنا بعد كل ما كتبت لإثبات كرهي ﻷدبك، لن أتوقف عن القراءة لك.

________________________________________

تم نشر هذا المقال في كل من جريدة القبس والراي الكويتيتين.
لمشاهدة المقال في القبس من هنا.
لمشاهدة المقال في الراي من هنا.
لمشاهدة المقال في فيس بوك من هنا.




إيهاب ممدوح
@Ehab_M_M

إنسانية القتل



القتل يكون مفيد أحياناً.. نعم لا تتعجب عزيزي القارئ إذا قلت لك هذا ، ففيلم ثلاث أيام للقتل - 3Days to kill أثبت ذلك و بشدة، فهذا الفيلم الرائع بجميع المقاييس الانسانية -و ليست السينمائية- استطاع أن يجعل الإنسانية تصحو في المشاهدين.. إصطدام الإنسانية بالوحشية ، النزاع بين الوفاء للوعد و الإخلاص في أداء الواجب ، الشر الذي يؤدي إلى الطيبة اللامتناهية.. كل هذه العوامل ساهمت في نجاح الفيلم منذ بدايته عندما كان إيثان رانر (كيفين كوستنر) جاسوس دولي يؤدي المهام الخطرة و يواجه الأشرار ، حتى أصبح أب لفتاة طائشة مسؤول عنها و عن جميع تصرفاتها في العاصمة الفرنسية.. كان كيفين كوستنر موفقا جداً في دوره بحيث أنه أستطاع الجمع بين أغلب حوانب حياة الجاسوس و جميع جوانب حياة الأب.. و أقول جميع جوانب حياة الأب لأنه أعطى للأب العنان ليقوده طيلة الفيلم منذ أن كان يريد أن يكلم ابنته في أول الفيلم مروراً بانقاذها عندما تعرض لها مجموعة من الشباب في ملهى ليلي.. نهاية بعدم تنفيذه للقتل في نهاية الفيلم مع أنه كان بامكانه ذلك و بذلك يتم المهمة و يستطيع أن يأخذ الترياق الذي يعالجه من مرضه اللعين -و قد فعل ذلك لتلبية وعده لزوجته و حبا و خوفا على ابنته-.. و أنا حقا أحسده على ابنته الجميلة ، فهي استطاعت أن تثبت أنها كانت الأحق بالدور .. هالي ستينفيلد هي ابنته المذكورة أو زويرانر مثلما .. فهي ابنة طيبة رغم غطرستها ، جميلة رغم طيشتها ، بسيطة رغم تكلفها.. لقد أدت هالي ستينفيلد دورا للتاريخ سيفرق معها في مشوارها الفني كله و لوحظ التطوير الكبير في أدائها و الدليل على ذلك أنني لم أشك في لحظة لنها ابنة كيفين كوستنر .. و كما قلت الفيلم ناقش العديد من النواحي الانسانية بحيث ناقش قضية المستعمرين للشقق في فرنسا و كانوا مكروهين في بداية القصة و لكن بسبب الأمر الواقع ظلوا في الشقة و أثبتوا حسن نيتهم و أنهم قد يكونوا أفضل بكثير ممن يدعون انهم أصدقاءك ، كما تعددت المناقشات الخاصة بين الأب و ابنته و التي سيطرت على الطابع العام للفيلم ، نهاية بانقاذ الرجل الذي ساعده في التخلص من أعدائه و الذي كان على وشك أن ينتهي معهم بانقلاب السيارة التي كانوا فيها.. في حين كانت امبر هيرد تؤدي دورها بامتياز واضح كانت كوني نيلسن لا تؤدي دورها كما هو مطلوب .. كان اختيار الأشرار في الفيلم غير موفقا و كانوا سذج لدرجة أن الاشرار في الافلام القديمة ذو اللون الابيض و الاسود كانوا أشرس منهم ، الفيلم عامة نجح في اقناعنا بالعديد من الاشياء و ناقش قضايا مهمة جدا ، و لكن افتقد لعامل التشويق -و إن وجد- فهو لم يوجد بكثرة ، و ترقبوا هالي ستينفيلد بعد عدة سنوات ضمن افضل الممثلات في العالم إن لم تكن أفضلهم.

________________________________________

تم نشر هذا المقال في جريدة الراي عن فيلم 3 Days to kill بتاريخ 2014/3/17.
لمشاهدة المقال أضغط هنا.



إيهاب ممدوح
@Ehab_M_M

الاثنين، 29 سبتمبر 2014

وافدين خارج بلادهم.. مغتربين داخلها


أخاف أن أقول أنها مشكلة فأكون متهاونا في الأمر.. ففي الحقيقة هي مسخرة !..

بعد سنوات من العناء و الشقاء و الغربة خارج وطنهم العزيز "مصر" لمحاولة أهاليهم في تحسين الدخل أو إيجاد الدخل أصلاً.. يعود الطلاب القادمين من الخارج بعد إنهاء الثانوية العامة حاملين البهجة في قلوبهم فرحين بعودتهم لوطنهم، فلا تقصر مصر أو حكومتها في إزالة تلك السعادة محولة إياها لتعاسة تدوم لعدة أشهر..

دائماً يكون قلق المصريين بعد إنتهاء الثانوية العامة هو ما سيظهر ﻷبنائهم في نتيجة التنسيق أما ما يقلق بل يرعب المصريين القادمين من الخارج هو إحتمالية ظهور النتيجة من عدمها.. ففي هذا العام أعلنت وزارة التعليم بدايةً عن نتيجة التنسيق الخاصة بطلاب الثانوية العامة في مصر و الذي يبلغ عددهم حوالي 300 مائة ألف طالب كما أعلنت عن تقليل الاغتراب و الاستنفاذ الخاص بالثلاث مراحل في أقل من ثلاثة أسابيع، ثم تم الإعلان عن نتائج التنسيق الخاصة بالسوريين، و الذين يحصلون على امتيازات عديدة بداية من دخولهم كليات القمة بأبخس الدرجات مقارنة بالباقين حتى إنشاء مواقع محترمة خاصة بنتائجهم، و بعدها أعلنت عن نتائج الدبلومة الأمريكية و التي كانت أثير حولها جدل بسبب حالات التزوير الكثيرة في شهاداتها مما أخر ظهور نتيجة التنسيق للقادمين من الخارج...

كل هذا لا يشكل مشكلة.. فالطلاب المصريين في الثانوية المصرية هم الأولى بالتأكيد بعرض نتائج التنسيق الخاص بهم، و الاخوة السوريين أيضاً على العين و الراس كان الله معهم، و الدبلومة الأمريكية طالما تم التأكد من تصحيح شهاداتهم فلهم كل الحق في إظهار نتائجهم و الفرحة بها.. أما المشكلة تكمن في أن الوزارة بعد كل ذلك تتبع نظام "الأنتخة" و هي "أنتخة" طويلة المدة غير مكترثة بأنها لم تنتهي و أن هنالك أكثر من حوالي 12 ألف طالب قادمين من الخارج يودون هم أيضاً مثل كل البشر أن يفرحوا بنتائجهم، أو إن كانت الوزارة تستكثر عليهم الفرحة فلا يجب أن تتجاهل على الأقل أنهم يدخلون الجامعات متأخراً ما يسبب حالات سقوط عديدة لهم في الترم الأول في الدراسة غير مشكلتهم في حجز السكن جامعي الذي لا يستطيعون الحجز فيه أو استغلال الجامعات الخاصة لهم و لمشكلتهم واضعين أبهظ الأسعار التي لا يقدر أغلبهم عليها و يستمر التعنت و التجاهل من كل الجهات للطلبة المصريين القادمين من الخارج..

نحن اليوم بصدد أزمة استمرت لعشرات السنوات و تأتي اليوم لتتوحش و تتمادى على المتضررين منها.. عاشوا خارج وطنهم تحت اسم (وافدين) غير متمتعين بكل امتيازات الإنسان العادي البسيط جداً راضين بذلك آملين في العيش فقط.. ليعودوا واجدين أنفسهم تحت لقب (مغتربين) في وطنهم بنفس المعاناة بل بمأساة أضخم !.. لذلك أرجو من الحكومة أن يستمعوا لمن لا صوت له و أنها "ماتطنشهمش" كعادتها و أن تعتبرهم بشر مصريين لهم حقوق كما عليهم واجبات ولا تعطهم وعود كاذبة تؤجل إلى الما لا نهاية، فالقهر كل القهر أن تكون شفاف في وطنك حتى يأتي دور الواجبات فقط.. و طلبي الوحيد من مصر أن تنتمي إليهم مثل ما انتموا إليها.

و أخيراً يمكنكم مشاهدة ما كتبوه على هاشتاج #شهادة_معادلة على فيس بوك و تويتر و سيكون أبلغ بكثير مما قلت عن جرحهم فصاحب الألم هو الأبرع في التعبير عنه و هذا الجرح و إن ظهر تافها للبعض فهو عميق الألم و الأسى، هو بداية كتابة مستقبلهم الذي اختارت الوزارة وضع نهايته بسبب الاستهتار.

‏شاهد "وقفة احتجاجية لتأخر نتيجة تنسيق الشهادات المعادلة" على YouTube - وقفة احتجاجية لتأخر نتيجة تنسيق الشهادات المعادلة في عام 2013 من  هنا

_________________________________________________

تم نشر هذا المقال في جريدة صفحة جديدة بتاريخ 30 سبتمبر 2014. لمشاهدة المقال أضغ هنا أو هنا.


من وقفة الطلبة المصريين القادمين من الخارج في عام 2013

إيهاب ممدوح
@Ehab_M_M

الاثنين، 7 يوليو 2014

في رثاء غسان كنفاني




"يموت الابطال دون أن يسمع بهم أحد" - غسان كنفاني

لم أرد قط أن آخذ شخصا ما بعينه قدوة أو مصدر إلهام مثلما يغعل الكثير من الناس. كنت دوماً أريد أن أكون نفسي و ألا أتأثر بشخص حتى لا أشابهه فأصبح مجرد تكرار فارغ، بعدها عندما قرأت له علمت أن تأثري بشخص ما لا يقل من شخصي بل يزيدني و يطورني حتى أنني قد أصبح أفضل منه. دائماً هنالك أشخاص استثنائيين. هذا ما وجدت.

 اليوم الثامن من تموز يوافق الذكرى الثانية و الأربعون لاستشهاد "البطل" أو بطلي المفضل على الأقل غسان كنفاني. لا أعرف من أين أبدأ خاصةً بعد أن سادت العتمة حياتنا.. كقارئ أنا حزين.. و ككاتب أنا مقهور.. في أول مرة قرأت لغسان كنفاني كان -و لحسن حظي- كتاب (رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان) و حينها تعجبت بحق. طوال عمري لم أجد في شخصيات الكتاب الذين قرأت لهم شخصية مثل غسان. فحوالي النصف ينادون بالثورة و الغضب يملأهم لدرجة فاقت كراهية العدو و هي كراهية الأهل و الوطن و الحياة أحياناً، و البعض الآخر كتاب رومانسيين يتكلمون عن دنيا غير الدنيا ولا كأن هنالك وطن يحتل أو حرب تشتعل.. أما غسان هو العاشق الثائر، الذي لم يجعل ثورته الغاضبة ضد العدو تغطي على أحاسيسه و لم يترك أحاسيسه تنسيه القضية التي عاش و مات من أجلها. كقارئ أنا حزين لأنني كنت أتمنى أن يعطي الله غسان عمراً أكبر، أولاً لتزداد حصيلة كتاباته التي لم أشبع منها يوماً ولم أمل أبداً من تكرار قراءتها.. ككاتب أنا مقهور لعدة أسباب و أولها أنني أفتقد معلمي. نعم، أعتقد أن غسان هو من علمني الكتابة أو بالأحرى هو من علمني كيف أجعل لكتاباتي روحاً. قرأت (عائد إلى حيفا) فعرفت معنى الوطنية الذي أفتقدناه في زمننا الرديء، رأيت معنى الإنسانية الحقيقي الذي لم أره يوماً، كان غسان في هذه الرواية يرى خيط النور في الظلام الدامس، جعلني أنفعل معه لدرجة أنني عندما أنتهيت منها شعرت أنني منهك و مرهق بسبب اندماجي الشديد مع أبطال الرواية حيث شعرت حينها أنني واحد منهم. آه و ألف آه كم تمنيت أن أكون أنا من كتب هذه الرواية.. قرأت له (الشيء الآخر) فدخلت مدرسته الرائعة في القصة ولولا علمي بأنه لم يشتغل محامياً أبداً لظننت -من كثرة الواقعية و الإتقان- إنها قصة حياته.. و قرأت له الكثير من الروايات و القصص لكن تلك الروايتان كانا الأقرب إلى قلبي لسبب مجهول. أما أكثر ما يؤلمني ككاتب هو النسيان..... أعتقد أن كل هذه الكلمات لن توفي غسان حقه. غسان أكبر بكثير من أن أصفه أو أن أتكلم عنه أو أن أقيمه فحاشا لله أن أقيم أستاذي. من النادر أن تجد في الحياة رجال رائعون. أتصور أن أقصى ما يمكن أن تجده هو أنصاف الرائعين و المدعين بذلك. لأن الرائعون أنتهوا مع رحيل الشهيد غسان. فكيف تجد شيء له صلة بذلك و أمة نائمة مثل أمتنا لا تتذكر ذكرى استشهاد بطل مثل غسان و يسكنها النسيان الذي جعلها تنسى كل شيء فأصبح العدو صديق و الصديق عدو. من الجانب الإيجابي أرى أنه من الجيد أن غسان لم يحضرنا في تلك الحالة البائسة و لم ير وطنه و هو يسحق كل يوم أكثر من ذي قبله. و حتى و إن شعر بداخله بشيء خطأ فسيكون أفضل بمراحل من أن يشاهد الحال على أرض الواقع، فغسان أيضاً لا يموت إلا من الداخل. أخيراً،  معلمي الغريب. الآت بسلام و راحل دون كلام. العاشق الثائر. صديقي و ونيس وحدتي. أخي الكبير و بطلي الوحيد. من عاش بلياقة و سبب إزعاجا كثيراً. نم في سلام يا صديقي فأنت في داخلنا. ولا تشغل بالك بنا ﻷننا لا نستحق. أراك في النهاية حيث أتفقنا أن نجلس مع بعضنا و نتكلم كثيراً ولا يوقفنا إلا النوم. فأستيقظ أرجوك.

إيهاب ممدوح
@Ehab_M_M

الخميس، 29 مايو 2014

زنزانة


( 1 )
"القَمْعُ أساسُ الملكْ"
"شَنْقُ الإنسان أساسُ الملكْ"
"حكمُ البوليس أساسُ الملكْ"
"تجديدُ البَيْعَة للحكَّام أساسُ الملكْ"
"وضْعُ الكلمات على الخَازُوقِ
أساسُ الملكْ...
طبلة.. طبلة..
"والسلطةُ تعرض فِتْنَتَها
وحُلاها في سوق الجملَهْ..
لا يوجد عُرْيٌ أقبحُ من عري الدولَهْ...

نزار قباني

( 2 )

راح على سور المدينة ليعلق لافتة مكتوب عليها "الحياة ليست للجميع في هذه المدينة" فردعته السلطة بحكم الإعدام !


( 3 )

"وحدهُم الشُّهدَاء لا يختالُون بالأوْسمة"

محمد الماغوط

( 4 )

لم يكن التعليم السيء الذي تعلمته هو المشكلة..
لم يكن عدم وجودي لعمل هو المشكلة..
لم يكن فقري و سرقة أموالي التي أدفعها في الضرائب هي المشكلة..
لم يكن احتياجي الشديد لأبسط حقوق الانسان العادي هي المشكلة..
لم يكن جوعي هو المشكلة..
كل هذه بالنسبة للحكومة ليست بمشاكل..
كنت -بالنسبة لها- أنا المشكلة !

( 5 )

"الثورات يدبًرها الدهاة، وينفذها الشجعان، ثم يكسبها الجبناء."

نجيب محفوظ

( 6 )

انتصار الطغاة على الثوار كانت مسألة وقت لا أكثر ، الشر دائماً ينتصر..

( 7 )

يا حارس السجن ليه خايف من المسجون
هي الحيطان اللي بينا قش يا ملعون
و لا السلاسل ورق و لا السجين شمشون !

نجيب سرور

( 8 )

توقف الجندي و لم يتقدم لقتل أخاه في الوطن ، أخاه في الدين ، أخاه في الإنسانية ، فضربه الملك بالرصاص هو و أخاه في هذا.. فكل شئ فداء الملك.. أقصد فداء الوطن !

( 9 )

"الرأي العام أكبر كذبة في تاريخ العالم."

توماس كارليل

( 11 )

ليست المشكلة في أننا نكذب ، المشكلة تكمن في تصدقينا لهذا الكذب ليصبح واقع و بالتالي ينقلب الواقع ليكون كذباً فنغرق في الوهم.

( 12 )

الخوف قواد .. فحاذر أن تخاف !
قل ما تريد لمن تريد كما تريد ..
لو بعدها الطوفان قلها في الوجوه بلا وجل :
(الملك عريان) .. ومن يفتي بما ليس الحقيقة
 ..فليقتني خلف الجبل !
إني هنالك منتظر ..
والعار للعميان قلباً أو بصر ،
و إلى الجحيم بكل ألوان الخطر !

نجيب سرور

________________________

إيهاب ممدوح
@Ehab_M_M

الثلاثاء، 27 مايو 2014

إلى الله


أستيقظ في ذلك الصباح البارد ملقيا نظرة ثاقبة من نافذته الغارقة بماء المطر على شارعه الهادئ المبتل منتظرا تلك الفتاة التي تجتاح هذا الهدؤ اليومي لتجعل قلبه و الشارع يتراقصان من الفرحة و البهجة.. بعد أن أنتظر كثيرا و لم تأت عاد ليجلس على أريكته المفضلة مشعلا سيجاره الحبيب لينفث الدخان العزيز.. قام بفعل أفضل ما يمكنه فعله و هو "الاسترخاء" ببوكسره المفضل.. و هو يتناول قهوته الفرنسية التي أعدها سريعا و بدأ يفكر في ريم.. هل كان مخطئا في حقها ؟ أم هي التي أجبرته على فعل ذلك ؟.. كان فراق ريم كالصفعة القوية على قلبه الحزين.. يعلم أن وقته بالنسبة لها قد أنتهى.. و لكن كان يتساءل دائماً لماذا ينتهي كل شئ ؟ هل ﻷن النهايات لا بد منها أم لأننا لا نستطيع الاستمرار ؟.. مر عليه هذا العام بصعوبة شديدة.. فالآن و هو يفكر في شئ جديد ليقوم بفعله في نهاية العام التي اقتربت يتذكر ريم.. يتذكر أصدقاءه.. يتذكر مبادئه أو ما تبقى منها.. يتذكر أخاه الأكبر.. كل تلك الأشياء الجميلة أنتهت.. كان عام النهايات و الآن قارب العام نفسه على أن ينتهي.. حقاً لا يجد أي فكرة جيدة ليفعلها في نهاية العام و لذلك قرر ألا يفكر في الأمر و ذهب ليأخذ حماما ساخنا يهدئ أعماقه و ينظف وجدانه.. وضع ملابسه و جهز الماء لكنه لاحظ ما تمنى ألا يلحظه.. الساعة الفضية التي جلبتها له ريم في عيد ميلاده في العام السابق.. تألم و وقف أمام الساعة قليلاً ثم بدأ يستذكر ذلك اليوم الرائع معها..
***
 كانت تقف بجانبه دون أن تنظر له.. أراد أن يبدأ الحديث معها و لكنه كان يريد أن يستمتع أكثر بوجهها الجميل الساقط عليه شعرها الأسود اللامع المنساب.. كان حينها في أشد الحاجة للتدخين و لكنه تماسك و لم يفعل لعلمه بكرهها الشديد لذلك الأمر و التي طالبته كثيراً بأن يتوقف عنه و لكنه فعلياً لم يستطع.. عاد لينظر إلى البحر الواسع ليتأمل لحظة الغروب الصامتة على بحر الاسكندرية و التي قد تحل محل مائة عبوة مهدئ.. لم يرد أن يقطع الصمت و يبدو أن الصمت هو الذي قطعه.. مع مرور أكثر من ربع ساعة رمقته و أدعى أنه لم يلحظ ذلك.. "البحر جميل.." هكذا قالتها و هي تنظر له بعينيها البنيتان الموسيقيتان.. ﻷول مرة يعرف أن العيون قد تتلاقى مع الموسيقى ليكونا شيئاً عظيماً كهذا.. إلا أن ذلك لم يجعله يندهش لأنها ريم.. هو لم يندهش قط من أي شئ إلا أنه أندهش منها ككل.. كيف يستطيع رجال العالم العيش بدونها ؟ أنهم لحقاً بؤساء لظنهم أن هؤلاء نساء.. إنهن مجرد محاولات تعويض لن تصمد أمام رمش عين واحد لريم.. رد عليها دون أن ينظر إليها حتى لا يغرق في تلك العينان الملحميتان قائلاً "الاسكندرية هي الجميلة.." استمر الخجل مسيطرا عليها و قد صاحبه بعض الكبرياء في حين كان هو ينتظرها أن تنطق بكلمة.. كانت دقات قلبه تزداد و مع ذلك كان يبدو في شدة البرود إلا ان ريم هي الوحيدة التي كانت تعلم ما يدور بداخله.. نظرا لبعضهما البعض و كانت الأعين تحمل كلاماً كثيراً.. كان هو لا يتذكر أن اليوم عيد ميلاده و كانت هي لم تنس ذلك أبداً..
***
لا يستطيع أن ينسى كيف قطعا الصمت اللعين بضحكاتهما العالية.. كيف كانا رائعان و كيف كانت ملابسهما بعد الجري وراء بعضهما البعض في البحر الهائج.. كانا سعيدان.

كانت تجلس على الأرجوحة دون أن تجمح إلى السماء و دون أن تقف ثابتة.. تمتعت بالاهتزاز الخفيف الذي كان أقرب لروحها.

كانت تلك هي ريم.. للحظة ارتبك و تحرك من أمام الساعة التي لا تمثل أي قيمة له سوى أنها من محبوبته الجميلة الراحلة.. بعد أن أخذ حمامه الدافئ و الذي أختلطت ماءه بالدمع الهادئ.. قرر أن يكتب لريم رسالة مع عدم علمه بسبب حقيقي لذلك.. ربما ﻷنه لم يأت له نوم فقرر أن يكتب هذا الكلام و هو يعلم أنه ساذج !

بالنسبة له الأمر كان في غاية التعقيد.. ليس بسهل أن تكتب رسالة لريم.. الأمر يتطلب عبقرية خارقة لعزف معزوفة طويلة لبيتهوفن !.. لا يعلم من أين يبدأ و من أين ينتهي.. في الواقع هو لم يرد أن ينتهي إطلاقاً.. ألا تكفي كل هذه النهايات التي حدثت و التي قارب أن ينتهي معها ؟.. أمسك بقلمه الرصاص و ورقته الهزيلة.. و بعد أن وضع التاريخ في بداية الصفحة على اليمين كتب تحتها الآتي :
" محبوبتي ريم..
قبل أن تمزقي تلك الورقة -إن قمتي بفتحها- أرجوكي أن تنتظري قليلاً و تستمعي إلي.. رائحتك تزعجني كلما شممت الورد.. كلما رأيت الشموع البنية التي ينطلق منها الضؤ الأصفر تذكرت عيناكي.. لا فائدة من هذا الخطاب.. و لكن على الأقل يجب أن تعلمي الحقيقة.. في بعض الأحيان لا يكون أمامك إلا إظهار الوغد الذي تخبئه بداخلك.. عرفتيني منذ صغري و تعلمين أنني لست سيئاً إلى هذا الحد.. صدقيني ما حدث لم يكن بيدي.. لحظة ! توقفي ! لماذا أفكر في أن أكمل لك هذه الرسالة ؟! الآن فقط تذكرت.. لقد أرسلت لك الكثير و لم أتلقى رد.. الآن لا أتوقع أي رد و مع ذلك إن أرسلتي لي سأكون في غاية السعادة.. سلام"
وضع الورقة في ظرف أبيض و كتب عليه في الخارج بخط عريض بني (إهداء إلى الله) ثم قام بحرقه إنتقاما من ريم و شكراً إلى الله.. يبدو أنه سيظل أسيراً لها لمدة غير معلومة الانتهاء.. الشئ الوحيد الذي كان يريده ان ينتهي لن ينتهي أبداً و هذه هي مكافئة الله له.. أنهى يومه في حانة صغيرة مليئة بزجاجات الخمر الفائقة للجمال ثم عاد إلى منزله و هو منفعل بشدة.. مزق كل الرسومات التي رسمتها معه.. حرق كل رسائلها له.. حذف ألبومات الذكريات في القمامة.. و حطم الساعة الفضية و حولها إلى فتات.. كثرت المشاعر في الجو من كراهية و حب.. قلق و طمأنينة.. ندم و فخر.. وقف أمام نفسه في المرآة.. كان مشتت حقاً و حائرا بشدة لم يجد الحل إلا النوم.. بعد كل المحاولات أكتشف أنه لا مفر من الهرب.. برغم كل ما ينتظره من مستقبل منير إلا أنه يفضل العيش في عالمه الكئيب.. وهب نفسه إلى الله كراهب يقوم بكل ما هو خير و إنساني لتحسين الكون -مع علمه بحرمانية الرهبانية في دينه- إلا أن هذا كان الحل الثاني و الذي قد يفعله إذا قام بفعل الحل الأول و هو النوم.. مع أنه يفضل و بشدة ألا يقوم منه لكي يذهب إلى الله.

_______________________________

تم نشر هذه القصة في جريدة القبس الكويتية، بعد حذف المحرر أجزاء منها وتغيير العنوان إلى (ذكريات) !
لمشاهدة القصة في جريدة القبس أضغط هنا أو هنا.



إيهاب ممدوح
@Ehab_M_M

السبت، 17 مايو 2014

المواطن الخارق في مكافحة اللإرهاب

علينا جميعاً أن نتفق أن وطننا العربي يواجه حملة إرهاب شرسة في جميع أركانه و على جميع مؤسساته... ولكن للأسف قد لا يجدي هذا الاتفاق نفعاً لأنه مجرد اتفاق شفهي أو كتابي على ورق، والكلام سيظل كلاماً كان شفهياً أو كتابياً، فإذا أرادت الشعوب العربية وعلى رأسهم القادة مواجهة الإرهاب، يجب عليهم أن يترجموا الكلام إلى أفعال، لأن مواجهة الإرهاب لا تكون فقط في الإذاعات والبرامج التلفزيونية وغيرها من وسائل الإعلام أو حتى بالمؤتمرات والندوات... وإن كانت كل هذه الأشياء تأتي بنفع، لكن الإرهاب اختفى من على الساحة العربية... إنما يكون كفاح الإرهاب بتقسيم الأدوار، القادة عليهم مكافحة البطالة، تحسين الوضع المادي للمواطنين، تخفيض الأسعار، وتطوير المرافق العامة، وغيرها من الأمور الكثيرة... وقد يتساءل البعض عن علاقة ذلك بمكافحة الإرهاب؟ فأقول له ان هذه الأشياء تجعل المواطنين سعداء، يحبون وطنهم ويخلصون إليه، وذلك يجعلهم على أتم الاستعداد لمواجهة الإرهاب مع الدولة أو قبلها... كما أن الوطن سيضمن عدم زيادة أعداء الداخل- والذين يكثرون يومياً بسبب استغلال الإرهابيين لمشاكلهم ويعدونهم وعوداً المزيفة لحل هذه المشاكل مقابل طاعتهم -، أما المواطنون فعليهم العمل بجد و بضمير و الصبر على الحكومات قليلاً، فنحن الآن في موقف صعب... ودفاعي عن الحكومات لا يعني أنني أراها جيدة مؤدية دورها على أكمل وجه، لكن مخزاه الصبر عليهم لأنهم يعتبرون حائط الصد الوحيد أمام الإرهاب الذي إذا تمكن لن يرحم... فعلينا بالتريث لنخرج من المأزق الذي وضعنا أنفسنا فيه بالمشاركة مع الحكومات، كما أخطأنا جميعاً علينا أن نصلح خطأنا معاً، ولا نجعل جمال الاستوديوات الإعلامية يلهينا عن مشاكل الوطن ومشاكل المواطن محدود الدخل، الذي بيده أن يكافح الإرهاب أو لا يكافحه... فهذا المواطن البسيط في نظر البعض خارق في مكافحة الإرهاب، فحرب الإرهاب ليست بيد الجيوش وقوتها، بل بيد المواطنين الخارقين، فارعوهم رعاكم الله.

___________

تم نشر هذا المقال في جريدة الراي الكويتية بتاريخ 31 مارس 2014.

لمشاهدة المقال أضغط هنا أو هنا.


إيهاب ممدوح
@Ehab_M_M

بلا نساء

"أتركيني وحدي" بكل عصبية خرجت منه هذه الجملة !

لم تؤثر بها هذه العصبية و كان ردها سريعا "ولكن أنا أحبك!" برومانسية شديدة قالتها."قلت لكي أنا لا أحبك ، أنا لا أحب النساء ، أكره حروف كلمة أنثى ، أتركيني و شأني" قلت عصبيته قليلا و زادت خشونة صوته في نفس الوقت !
"لماذا ؟ ها ؟ هل أنت راهب أم .. ؟" قبل أن تكمل لحق الكلام و قال : "لا لا ، لا يذهب فكرك إلى شئ بعيد ، لا سمح الله ..."
ساد الصمت في المكان .. حاولت أن تفهم منه لماذا لا يبادلها نفس الشعور على الرغم من جمالها و أنوثتها الفاتنة و أناقتها و ثرائها و أدبها و كل الصفات التي يتمناها الرجل في حبيبته .. لا فائدة معه .. و بالرغم من أنها متأكدة من ذلك فهي منتظرة أن تعرف الحقيقة ، هنالك شئ ما يجعلها تنجذب إليه إنجذاب شديد .. شئ ما يدفعها نحوه إلى المالانهاية .. كان يعاملها بغباء و شدة لا تليق بها ، يريد أن تبتعد عنه بأي طريقة ، حاول أن يشعرها أنه يفضل الانتحار على أن يحبها لكنها مازالت صامدة .. لا تستسلم ، "أنظري أيها الكائنة ، أنا لا أحب جنسك و لا أسم جنسك و لا أي شئ يأتي من جنسك ، ليس لأنني و العياذ بالله .. ، لكنني لا أحب هذا الجنس لا أطيقه لا أريده"
-"لماذا ؟"
"لعنة الله عليك و على غباء جنسك"
-"لماذا ؟"
"أتحاولين استفزازي ؟ صدقيني حاول قبلك الكثير و لم ينجح أحد.."
-"لماذا ؟"
بعد ضحكة ساخرة أكمل : "مخلوقات فاشلة حتى في الاستفزاز"
- " لماذا ؟ لماذا ؟ لماذا ؟ لماذا ؟ "
"كفى" بصوت عالي خشن هز المكان الذي كانوا يجلسون فيه
-"لما.." قاطعها مسرعا " أتريدين أن تخﻻجيني عن شعوري ؟ تبا لكي و لجنسك ، يكفي أنكن أجرتمونا من الجنة"
توقفت عن استفزازه و بدأت تدارك ما يفكر به
-"فهمتك الآن !" قالتها ثم حاولت اقناعه أنهن ليسوا أشرار كما يظن بالاستدلال بالدين و بحياته الشخصية و بكلام الحكماء ، فشعرت أنه بدأ يراجع نفسه ..
يبدو أن كلامها سيبدي بجدوة معه ..
"لن يؤثر في كل هذا ، أنثى = شيطان"
-"يا لك من جاهل" قالتها بعد أن تحول كل حبها تجاهه إلى حمم من الكراهية
"نعم ، أنا جاهل ، ما هو الشئ الذي يجبرك أن تجلسي مع شخص جاهل مثلي ؟"
-"متأسفة ، لم أقصد أن أهينك" محاولة استدراجه في الكلام "ولكن ما هو هدفك في الحياة و انت لا تﻻيد أن تختلط بالجنس الآخر ؟ لا ترتبط و لا تتزوج و لا تحب !"
"سأفعل كل خير كل عبادة ترجعني إلى مكاني الأصلي ، الجنة"
-"هل تصل أمك؟"
"ليس من شأنك أن تسألي"
-"ألا تعلم أن الجنة تحت أقدام الأمهات ؟" بستهزاء واضح بتفكيره
عجز عن الرد ، نظر إلى السقف و قال : "لا يهمني هذا الهراء ، سأعيش حياتي بلا نساء"
-"لقد طفح الكيل" قالتها و هي في شدة استيائها منه و جمعت أغراضها من هاتف و مفتاح سيارة و حقيبة ، و لكنها أبطأت في جمعهم حتى يتأسف لها أو يرجوها أن تبقى .. لم يحدث أي شئ من هذا القبيل ، فقد ذهب .. ذهب للبحث عن الجنة .. لكنه لن يجدها !
_____________________________

تم نشر القصة في جريدة الراي الكويتية، لرؤية القصة على موقع جريدة الراي أضغط هنا.


إيهاب ممدوح
@Ehab_M_M

الاثنين، 7 أبريل 2014

عابد

كان الكل يصفه بأنه غريب الأطوار ، شارد أحياناً ، و مجنون أحياناً أخرى ، لكنه لم يكترث بما يقولون و لم يأبه لانتقاداتهم الدائمة لشخصيته و تصرفاته ، فقد كان خالد أو كما سموه في الفترة الأخير بعابد يفعل كل ما يحلو له ، فلا توقفه حرمانية شئ ولا حتى يمتلك أخلاق أو ضمير يحاسبه ، فعل كل ما هو محرم بالفعل ، لم يكن يخشى الله ، فهو لم يؤمن بوجوده في الأصل ، و لكن ما استطاع أن ينكره خوفاً ممن حوله من الأهل و الأصدقاء و المجتمع الذي كان يصفه بالعقم في التفكير ، و بما أنه كان يعمل في السياحة فلم تستوقفه الرقابة كثيراً كما تستوقف عامة الناس ، فالقانون يردع عموم الشعب إلا العاملين في السياحة فهم بشكل أو بآخر فوق القانون.. بعد عودته من رحلة أقامتها شركته إلى إسبانيا قابل شخص طويل اللحية بشوش الوجه غليظ الصوت و كان يتميز بأسلوب بسيط يجذب من يسمعه في الكلام ، قدد قابل هذا الشخص في المطار في صالة انتظار الحقائب ، عامة هو لم يتعود أن يعطي هؤلاء الناس اهتمام ، ولكن كلام هذا الرجل كان مختلف ، فبالطبع عندما يقول لك شخص 《إن الله ليس راض عنك》في أول مرة يراك و يتحدث معك يصبح الأمر مختلف ، بعد أن سأله عن السبب و تكلم الرجل كلام كثير ، شعر بالاقتناع حتى لو لم يفهم مجمل الكلام ، أعطاه الرجل بطاقة خاصة به و بجمعيته الإسلامية و طلب منه أن يكلمه من الحين إلى الآخر فالباب مفتوح له في أي وقت.. بعد فترة من التفكير وجد أنه لن يخسر شئ إذا جرب ، فألتحق خالد بالجمعية و من هنا تحول اسمه إلى -عابد- أصبح ينادي باسم الجمعية للدعوة بالإسلام و أخبر جميع أصدقاؤه بالأمر و كان الكل معجب بالتزامه الديني ، فهو مثال للشاب الخلوق المتدين المحب لدينه ، لكن هذا الأمر لم يستمر كثيراً ، و يبدو أن هذا الإعجاب قد تحول إلى حسد ، فمع أول سفرية جديدة للشركة الخاصة بالسياحة التي يعمل بها عاد مرة أخرى للفواحش التي كان يتلذذ بها دون أي ندم.. بعد أن عاد و قابل أصدقائه في الجمعية كان يريد أن يروي لهم ما حصل له لكن خوفه منعه ، لم يوجد هناك سبب معين لخوفه و لكنه أعتاد على هذا الخوف من صغره في المدرسة هو و زملائه الذين لا يختلفون عنه في شئ.. مع الوقت أصبح يبتعد عن رفاقه الجدد و يغيب عن الكثير من المحاضرات ، عاد كما كان -مع اختلاف بسيط في زيادة طول لحيته- و لم يحزن على نفسه أبداً ، كان يتساءل في نفسه 《كيف ألقيت بنفسي في هذا الجحيم》و ليس هذا و فقط ، بل كان يسخر من هؤلاء الناس أمام أصدقاءه في العمل و أمام السياح.. و بعد عدة سنوات كان في حفل زفاف أحد أقاربه فسمع شخص ما يناديه من بعيد ب-عابد- ، ظن بداية أن هذا النداء ليس موجه له و لكن هذا الصوت مألوف عنده ، ألتفت و كان من توقعه هو الذي ينادي ، أحتضنه أبو الطيب -ذلك الرجل الذي قابله في المطار و الذي ضمه إلى الجمعية- بحرارة ، بعد أن سأله عن أحواله و أخباره و عن سبب تواجده في هذا الفندق ، طلب أبو الطيب من عابد أن يحضر الندوة التي ستقام بعد ساعتين في القاعة المجاورة ، طلب من ابو الطيب أن لا يناديه باسم عابد أمام الناس في حفل الزفاف لأن لا أحد يعرفه بهذا الاسم كما حاول الاعتذار كثيراً و ما أتت اعتذاراته بنفع أمام إصرار أبا الطيب.. حضر خالد الندوة و بالطبع حضرها باسم عابد ، كانت الندوة تتحدث عن اليوم الآخر ، هنا شعر عابد بخوف لم يشعر به على مر حياته ، 《ما هي النهاية ؟》 هكذا سأل نفسه و لم يجد إجابه ، لازمه ذلك الخوف طيلة عمره حتى أصبح يحضر كل جلسة أو صلاة تابعة للجمعية يحضر فيها شيخ شهير بالجلالة و الحكمة ، لم يبتعد عن معاصيه و لم ينتظم في الصلاة حتى صلاة الجمعة و لكنه زاحم نفسه بالحضور لأكابر الشيوخ و العلماء على فترات متقاطعة ، رغم كل ذلك لم يشعر بالطمأنينة أو جزء منها على الأقل.. يقولون أن العبادة تهذب النفس و تطمئنها لكنه لم يشعر بأي شئ.. زاولته الشكوك في وجود الله مرة أخرى حتى أنقطع عن الحضور لمناسبات الجمعية و الأفحم من ذلك أنه ترك عمله.. جلس في بيته وحيداً في حالة نفسية مضطربة للغاية ، حاول العديد من الناس مع اختلاف صلتهم به مساعدته لكنه رفضهم بشتى الأساليب ، كاد يجن ، يريد أن يشعر بالهدؤ و السكون و الراحة الذي يفتقدها ، كان ضباب التيه في داخله أقوى من نور الحق.. مرت ليال كثيرة دون أن يذق فيها طعم النوم.. أدرك أن لذة الدنيا زائلة و أن العبادة زائفة فقرر لأول مرة في حياته أن يحطم خوفه و أن ينطلق كالعصافير من نافذة بيته ليحلق في السماء بحثاً عن الطمأنينة التي طالما بحث عنها. بالفعل فعلها و كان في غاية السعادةفي البداية. ربما كان هذا الشئ الجيد الوحيد الذي ارتكبه في حق نفسه، فبالنسبة لحالته كان هذا هو الخلاص. في القبر الأسود صحى و علم أنه لم يحلق ليجد الطمأنينة. بل أنكفى ليوضع في الجحيم الحق. فتأكد أن متع الدنيا زائلة و لكن العبادة لم تكن في يوم زائفة. فخطأ عابد ليس أنه أصبح عابدا بل لأنه لم يعرف من يعبد.

إيهاب ممدوح
@Ehab_M_M

الاثنين، 17 مارس 2014

أبسط من البساطة

الحياة أبسط من الشجار ، أبسط من الخلاف بسبب الاختلاف ، أبسط من الحرب ، أبسط من الدمار ، أبسط من القتل ، أبسط من التخوين ، أبسط من التكفير ، أبسط من العراك ، أبسط من الحزن ، أبسط من الخيانة ، الحياة بسيطة لدرجة أنها أبسط من ذاتها.. لماذا نعقد الأمور في عالمنا ؟ لماذا نتعارك على السلطة ؟ لماذا و ألف لماذا !
الليل كرهنا ، الطيور كرهتنا ، الحياة كرهتنا ، كل ما سخر ليخدمنا كرهنا و يتمنى زوالنا ، أرى رجل النظافة يحملنا نحن و جيراننا من هذا الكوكب ليضعنا في مزبلة مليئة بالزحام ، الإزعاج ، الدم.. و الغريب أننا كنا فرحين جداً ، هل ﻷن هذا المكان هو مكاننا الأصلي ؟ هل ﻷننا خلقنا من أجله ؟ أم أنه هو الذي خلق من أجلنا.. أسئلة كثيرة صحت لكي أعرف إجابتها ، رد علي رجل النظافة قائلاً : "لا تسأل كثيراً ، هذا وضعكم و عليكم ان تتقبلوه ، لو علي أنا لما فعلت ذلك ، لكنكم أجبرتموني ، الآن أدخل و أنت ساكت" ، تعجبت كثيراً من الرد ، لزمت الصمت.. فوجدته يضحك ضحكة تخبئ الكثير من الدموع ، ففهمت ضحكته و حاولت الضحك مثلها لكنني لم أستطع أن أخبئ الدموع ، و لم أستطع أن أضحك ، فكان المشهد أقرب إلى البكاء النابع من الهم ، هم ساخر..
لا أحد فينا يمتلك الحق ، فليس علينا أن ندعي بأنه معنا ، لن نستفيد شئ ، ستأخذنا حماسة المعركة ، و اكتشافنا لكمية الخسائر بعدها قد تكون قاتلة أكثر من القتل في المعركة نفسها !
أمشي في شارع خال من البشر ، أدمع على حالكم جميعاً ، و على حالي أنا أيضاً ، فأنا لا أختلف عنكم شئ ، أنا مثلكم.. لا أملك الحق ، أدعي الفضيلة ، كل شئ تفعلوه أفعله ، لست مصلحا و لست عالماً و لا ناقدا ولا أي شئ..
أنا الذي تولدت من اللاشئ لأحاول أن أفعل شئ ، قد يرى البعض أنني تافه ، فاشل ، حقير ، ساذج أو أيما كانت الصفة السيئة التي يصفونني بها ، لكن أنا حقاً لا أهتم بذلك و أدعوك أن لا تهتم مثلي ، ليس لأنهم أوغاد يتحاملون عليك و أنت البطل الخارق الملاك الطيب الطموح كما يقول بعض من يدعون أنهم فلاسفة كبار ، بل لأن الحياة -كما عرفتها- أبسط من البساطة.
نصيحة : الحياة قصيرة جداً ، لا تستحق حقدا ولا حسدا ولا نفاق ، غداً سنكون ذكرى.. فقط ابتسموا وسامحوا من أساء إليكم ، فالجنة تحتاج إلى قلوب نقية !

________________________________

تم نشر المقال في جريدة الجريدة الكويتية بتاريخ 17 مارس 2014 كما نشرت في صحيفة آل مكتوم الإماراتية بتاريخ 12 أبريل 2014.

لرؤية المقال على موقع جريدة الريدة أضغط هنا.
لرؤية المقال في صحيفة آل مكتوم أضغط هنا.

إيهاب ممدوح
@Ehab_M_M

السبت، 15 مارس 2014

باسم يوسف و الآلهة



لا اعرف، ولكني كلما رأيت شخصا معجبا بشيء أو محبا لشيء لدرجة تفوق أعلى درجات الاعجاب والحب والعشق، اشعر بأن هذا الشخص يعبد مع الله إلها آخر.. حتى لو لم يعلنها صريحة!
فهنالك بعض الاشخاص الذين يمجدون انسانا لدرجة تفوق الوصف، يتكلمون عن انسان عادي ويمجدونه، ويذكرون تاريخه، وربما لا يفعلون ذلك مع سيرة الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، او مع رسول دينهم عامة، يشجعون نادياً او كيانا وولاؤهم له يتعدى كل الحدود ويتعصبون له حتى الموت، وربما لم ينل دينهم منهم ثمن هذا الولاء وخمس هذه العصبية، واقصد هنا العصبية المستحقة التي تدافع وتناقش وتحمي وليست العصبية العمياء التي تدمر وتهدم.
عاد باسم يوسف الى الظهور بعد غياب طويل، انتقد العديد من الاشخاص الذين ينتمون الى العديد من التيارات والافكار، والكيانات، او يمكننا القول عنهم الآلهة الذين سبق القول عنهم في اول المقال، بعد انتهاء الحلقة من هنا انقلبت مواقع التواصل الاجتماعي، فمن يؤيد الجيش يسب باسم ومن ينتمي للاخوان يلعن باسم، ومن يشجع الزمالك يشتم باسم بأمه، ومن يعجب بغادة عبدالرازق يقول عن باسم «سفيه»، ومن يرى توفيق عكاشة مفجر الثورة قال عنه «طابور خامس»، ومن يحب شريف مدكور، آسف نسيت ان شريف مدكور ليس له محبون!
المهم ان كلا من عابدي الآلهة.. الذين صنعوها لأنفسهم، دافعوا عنهم عن طريق سبّ باسم، وهذا ليس حلاً.
أولاً يجب ان نعود للوراء ونعرف لماذا يمجد الناس بشرا عاديين أو كيانات لا تضر او تنفع؟ ولماذا يضعونهم في خانة الآلهة؟ على الرغم من انهم بشر يحتملون الخطأ قبل الصواب، ثانياً: لماذا لا توجد روح الفكاهة بيننا، حين يعاب على من نحب بينما تكون موجودة بيننا، وبكثرة، حين يعاب على من نكره؟!
ثالثاً هذا برنامج ليس اجباري المشاهدة. لم يعجبك؟ اذا فأنت تمتلك الحرية التامة في تغيير القناة أو اغلاق التلفاز.
انا زملكاوي واحب ذكاء الجيش واحب اصرار الاخوان.. حتى لو لم يجدِ بنفع، واحب مسلسلات غادة عبدالرازق، واعشق توفيق عكاشة مفجر الكوميديا في مصر، ولكنني لا اطيق شريف مدكور.. وهذا امر طبيعي.
لم احزن من باسم حين سخر من اي احد من هؤلاء، بل اتخذت الموضوع بصدر رحب جداً.. فمن يريد ان يتعب نفسه ليثبت ان باسم حقير، كاذب، طابور خامس، إلخ... لن ينجح في اثبات اي شيء!
كل ما سينجح فيه هو ان يميت نفسه من الغيظ وببطء.
____________________________

تم نشر هذا المقال في جريدة القبس الكويتية في 2014/1/9.
لرؤية المقال على موقع جريدة القبس الكويتية أضغط هنا.

إيهاب ممدوح
@Ehab_M_M

هو السيسي ممكن يبقى رئيس مصر ؟

( هو السيسي ممكن يبقى رئيس مصر ؟ ) سؤال سأله لي أخي الصغير لكنني لم أجيب ، فقد فضلت الصمت و عدم الرد ، فكرت كثيرا في إجابة للسؤال و ليس فقط في إجابة بل فكرت ما إذا حدث و أصبح رئيسا لمصر ، ماذا سيحدث ؟ هل ستظل مكانته في قلوبنا أم ستقل أو تزيد ؟ .. أسئلة كثيرة لم أجد لها جواب لفترة طويلة .. حتى أكتشفت شئ .. أكتشفت أنني أتمنى أن لا أتمنى !كأي مواطن مصري .. أتمنى أن تكون بلدي أفضل ، يسود فيها الأمن و يكون التقدم هو هدفها في جميع المجالات ، كأي مواطن مصري .. أتمنى أن تطبق قوانين الدستور -الذي أؤكد بضرورة أن ننزل جميعا في الاستفتاء لنقول نعم عليه- و إقامة إنتخابات البرلمان و الرئاسة ، و لي الكثير من الأمنيات التي لا تنتهي من أجل وطن أفضل ، و لكنني أضع كل هذه الأمنيات على يد ، و لي أمنية وحيدة سأضعها على يد أخرى ، و هذه الأمنية هي عدم ترشح الفريق السيسي للإنتخابات ، ليس لأنه سئ لا سمح الله أو لأنني لا أريده ﻷي سبب شخصي أو ﻷنه لا يملك مقومات رئيس الجمهورية ، كل هذه الأشياء بعيدة كل البعد عن تفكيري .. و لكن ما أريد قوله أن السيسي تملك قلوب المصريين حين أنقذهم من حكم الفاشية باسم الدين في ثورة الثلاثين من يونيو ، أصبح قائداً للمصريين و صار بطلاً شعبياً لا يستطيع أحد منافسته في عشق المصريينله ، و لا شك أن السيسي لو ترشح للرئاسة سيفوز من أول جولة بإكتساح ، و لكن هنا لن يكون مطلوب من السيسي حماية مصر و المصريين فقط كما كان مطلوب منه عندما كان وزيرا للدفاع ، بل مطلوب منه أيضاً أن يوفر الغذاء و الصحة و التعلبم و العديد من الأشياء التي لا نستطيع أن ننكر إنها في قمة فشلها و سؤها حالياً في مصر ، إذا أستطاع السيسي حينها أن يصلح حال هذه الأشياء و ينفذ للناس مطالبها سيزداد حبه في قلوب المصريين و لكن و إذا لم يستطع فسيقل حبه و ربما يتحول إلى كراهية فيما بعد ، و هنا أتذكر أحد كتابات د.أحمد خالد توفيق في إحدى رواياته عندما رفضت بطلة الرواية الزواج من صديقها الصدوق بقولها : ” لن أتصل به بهذه البساطة أطلب رأيه.. لن آتي لمكتبه بهذه التلقائية.. لن أكلم أمي عنه ببراءة.. كل شئ سوف يتغير.. الخطبة و مشاداتها التي لا تتوقف.. إنه في نفسي أروع من هذا و أهم.. الزواج و الخلافات و الزوج الغاضب الذي يقف بالمنامة غير حليق الذقن حافي القدمين على باب الحمام ينتظر دوره.. لا .. هو أسمى من هذا.. إنني أحترمك كثيراً لهذا أخترت لك دورا أفضل.. دع هذه الأدوار السخيفة لشباب أصغر منك سنا و أقل منك مهابة.. أرجوك” ، نفس الكلام ينطبق على السيسي و الرئاسة .. فلماذا يضع السيسي نفسه في هذا الموقف ؟ و لماذا يبدأ من الصفر في كسب حب الناس بعد أن أحبوه حبا ليس له نهاية ؟ فإذا أتى رئيس غير السيسي و ضايق الشعب سنشتكي للسيسي بينما إذ أتى السيسي رئيسا و ضايقنا بسؤ نية أو بحسنها -مع أنني لا أفترض الأولى كثيراً و لكن كل شئ ممكن !- فلمن نشتكي ؟! ، أخاف أن يصبح السيسي رئيساً فيفسده كرسي السلطة كما أفسد الكثيرين ممن قبله ، و أريده أن يفهم أنه أكبر من أي رئيس و اهم من أي سلطة عندنا ، فهو حتى الآن بطلنا ، أما بعد الرئاسة فيا خوفي من تغير كل شئ ، أكتشفت أنني أتمنى أن لا اتمنى في يوم رحيل السيسي و سجنه كما حدث مع رؤساء سابقين .. و لأنه ليس مثلهم فأتمنى أن لا أتمنى ذلك ، كما أتمنى أيضاً -و آسف على كثرة أمنياتي .. استحملوني- ألا يكون كل كلامي هذا تحت قاعدة الفنان أحمد مكي في مسلسل الكبير أوي عندما قال : “كلها طموحات و أماني !”.

__________________________________________________

تم نشر المقالة في جريدة صفحة جديدة المصرية الإلكترونية في 2014/1/16.
لرؤية المقال على موقع جريدة صفحة جديدة أضغط هنا.

إيهاب ممدوح
@Ehab_M_M

تذكر

يجلس أمام التلفاز يرى بلده يحترق.. لا يستطيع فعل شيء سوى الدعاء له.. فهو يعيش في إحدى الدول الخليجية ولا يستطيع مساعدة بلده أو الذهاب إليه في هذه الأحداث.. حتى لو كان هناك! ماذا سيفعل؟.. ذهب أو جاء هو فقط إنسان مصري مسلم فقير لا يملك بيده أي شيء.. لا يعلم أين الحق وأين الباطل.. تائه كالأعمى الذي يمشي في وسط الضباب الشديد.. بعد أن تناول إفطاره ذهب إلى عمله.. جميع أصدقائه من متنوعي الجنسيات يتكلمون في السياسة وأخبار مصر بلده.. يحاول أن يتجنب الكل لحزنه على بلده.. بعدما انتهى من عمله وفي طريق عودته إلى البيت كان يدعو لبلده بالخير والأمان والسلام.. وصل إلى بيته وقام بفتح قناة الجزيرة.. يا للهول! ما كل هذه الإصابات، وما كل هذا القتل والدم والسفك؟ شعر بأنه كان على باطل وأن الإخوان معهم الحق.. عاطفته على هؤلاء القتلى تملكته بشدة.. «اللعنة على هذه الحكومة الانقلابية» بعصبية شديدة قالها.. الدموع بدأت تنزل من عينيه حباً لإخوته المصريين المقتولين هناك.. 200 شهيد و1000 إصابة.. 1000 شهيد و30000 إصابة.. خبران متتاليان في 3 دقائق فقط.. لاحظ وتعجب.. هل هذا حقيقي.. هل هم يقتلون في لعبة بلاستيشن؟ ولكن لا.. لا بد أنهم على صواب، إنهم يدافعون عن الدين ويقتلون من دون ذنب.. «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ»، نعم، إنه القرآن الآتي من الشقة المجاورة له الذي يبدأ كل يوم الآيات ولكن اليوم جذبته بشكل خاص.. أغلق التلفاز وبدا يفكر.. «الإخوان معهم الحق.. هذا ليس ممكناً، هذا أكيد».. يتفكر كما قلنا وعاطفته مسيطرة عليه بشكل كلي.. ولكنه وهو يتفكر تذكر.. نعم تذكر دموع أم محمد كريستي الذي سال دمه بسبب الإخوان في عصر مرسي ولم يؤت بحقه.. مرت من أمام عينيه جنازة جيكا هذه الجنازة الكبيرة الشاسعة التي لا حدود لها.. تذكر صورة الحسيني أبو ضيف التي ملأت مواقع التواصل الاجتماعي.. تذكر صراخ أمهات الستة عشر شهيداً في حادث رفح الإرهابي الذي لم يحضره مرسي لأنه لا يريد أن يقتل القتيل ويمشي في جنازته، عنده أخلاق أو ما تبقى منها،.. سنسحقهم... قاطعة هذا الصوت الغليط الذي يعلمه جيداً.. طبيعي.. إنه صوت القاتل الإرهابي طارق الرمز.. تذكر... فابتسم ومضى!

______________________________

تم نشر هذه القصة القصيرة في جريدة القبس الكويتية في 2013/10/24.
لرؤية القصة القصيرة على موقع جريدة القبس أضغط هنا.



إيهاب ممدوح
@Ehab_M_M

مستقبل مشرق

يأتي مرشحو الانتخابات الرئاسية في كل مرة - سواء كانت مؤتمرا او لقاء تلفزيونيا - ليعرضوا ما لديهم من مشاريع وافكار ومخططات لتحسين البلاد والارتقاء بها الى اعلى المراتب، كل هذه المشاريع وكل هذه الجمل التي تصف تلك المشاريع لا تتعدى موضوع تعبير عن «مستقبل الأمة المشرق»، لطالب في السادس الابتدائي، الكل يملكون أفكاراً جهنمية لتغيير حال البلد من العسر الى اليسر، ومن التخلف الى التقدم. الكل لديهم مشاريع تحت أسامٍ وشعارات، نحن في غنى عن ذكرها - حتى نجتنب الملل - خلال مؤتمرات المرشحين في بلاد الفلاحين، للدعاية لأنفسهم ولحملاتهم النهضوية - كما يقولون - يظهر في الصورة بعض الفلاحين «الغلابة» بأسئلة طيبة كطيبتهم الريفية المعهودة، على الرغم ان الكثير الكثير يقول انها سذاجة، الا ان التعالي عن هذا القول الساذج كما يقولونه يكون افضل، يجاوب المرشح بإجابات نموذجية يبدأها بــ «أكيد، طبعا» زائد بعض الجمل العميقة من «السكريبت» الموضوع امامه، واذا احب ان يتذاكى فيقول: ضع هذا المقترح في مخططنا الانتخابي يا مدحت - ولا تسألني من مدحت! - يعود المرشح ذو النظرة الثاقبة المستقبلية الى سياق الحوار، ويقول «كل حاجة هتتعمل زي ما انت عايز» بكل ثقة مع ابتسامة خفيفة، يصدّق الفلاح، ويسلم بما قال المرشح الذي سينفذ ما يريده الفلاح، ويسلم ايضا كل الفلاحين المستمعين لهذا الحوار بطيبتهم الزائدة! بعد الانتخابات يفوز المرشح الاكثر قولا لكلمة «زي ما انت عايز»، ولكنه للاسف يفعل عكس كل كلامه ولا يحقق وعوده التي هي في الأصل كاذبة، في الفترة المقبلة لا استطيع ان ارى قائداً لمصر ضمن الأوجه المرشحة للرئاسة، فهل سيكون كل المرشحين من نوعية «زي ما انت عايز»، لنعود بعدها الى اعادة سيناريو الثورة مستمرة؟ سؤال يجب ان نضع امامه مائة علامة استفهام، وللاسف اعلم انه لن توجد اجابة لهذا السؤال، حتى انتهاء هذه المرحلة المجهولة! والى حين دخولنا مرحلة جديدة واضحة الملامح، لا نملك الا ان ندعو بالخير لبلدنا الحبيب والدعاء على امثال «زي ما انت عايز»، عسى ان يخلصنا الله منهم الى الأبد.

____________________

مقالة نشرت لإيهاب ممدوح في جريدة القبس الكويتية في 2013/11/7.
لرؤية المقال على موقع جريدة القبس الكويتية أضغط هنا.

إيهاب ممدوح
@Ehab_M_M

العم أيوبي

الأمل مازال موجودا، هكذا كان يقول دائما عم أيوبي، الذي كان يرمقني بنظرة طفل يبدو عليه البلاهة على الرغم من كبر سنه، إلا أنه ينشغل بإطعام قطة أو اللعب بالبالونات المليئة بالهيليوم الملقاة في الشوارع أكثر من انشغاله بان كان يلبس بنطاله بالشقلوب أم لا. اضحك يا بني ولا تحمل الهم فوق اكتافك! حكمة عظيمة من طفل عظيم اقصد من رجل عظيم.
لقائي بعم ايوبي يكون كل يوم صباحاً قبل الذهاب الى المدرسة، فأنا انتظر السيارة التي توصلني الى المدرسة عند ناصية عم ايوبي، حقاً هي ساحة مطعم شعبي قديم تحت بيتنا ولكن بسبب جلوس عم ايوبي هناك لمدة تفوق الخمسين عاما يومياً سميت بناصية عم أيوبي.
عم ايوبي رجل منحني الظهر، شائب الشعر أكثر من شيبة الشائب في أوراق الكوتشينه، قليل الحركة، يتميز بأنه لا يتميز بأي شيء على الإطلاق، شفتاه متهدلتان وصفا أسنانه يكادان ألا يكونا موجودين، وما تبقى منهما قد لا نستطيع عده على أصابع اليد، لا استطيع التخلص من هذا الشعور اللعين بأنني أكلم مومياء حية يوميا.
صباح الخير.. هكذا قلتها لعم أيوبي في صباح أول يوم في الامتحانات البغيضة!
صباح الأمل.. هذا هو رده علي بابتسامة تحملها براءة طفولية.
كيف حالك يا بني، سألني عم أيوبي.
رددت قائلا: لست بخير، في الواقع أنا متعب جداً!
سألني بلهفة: لماذا؟
قلت باستهتار: امتحانات، يكفيك الله شرها.
رد علي مغنيا: والله ما مستاهلة، الحياة سهلة!
لا أملك الوقت لكي اكمل كلامي مع هذا الطفل الكبير، فأنا عندي امتحان احياء وهي من أكثر المواد التي تحتاج الى تركيز حتى أتذكر كل شيء فيها.. سأتجاهله!
قربت الامتحانات على الانتهاء، ومن بعد ذلك اليوم لم أر عم أيوبي!
دخلت أسأل عليه طباخي المطعم، لا أحد يعرف عنه شيئا وكانت إجابة أحدهم: عم أيوبي لم يأت من قرابة أسبوع أعتقد انه آخر مرة جاء فيها كانت توافق يوم الاحد السابق.
بعد السؤال هنا وهناك على عم أيوبي الملاك، اكتشفت ان هذا الرجل الذي يأتي إلى حارتنا كل يوم لمدة خمسين عاما وأكثر وسميت ساحة باسمه لا يعلم أحد أين مأواه وأين مسكنه!
والله ما مستاهلة، الحياة سهلة.. كلمات عم أيوبي تتردد في أذني، تبا لا استطيع التخلص من صوته الذي يشعرني بالذنب لسوء معاملتي له! بحثت عنه في كل الحواري والارجاء المجاورة، «عم أيوبي يا عم ايوبي انا اسف يا عم أيوبي، عم ايوبي أين أنت؟» ولكني لم أجد ردا غير هذا الرد «والله ما مستاهلة، الحياة سهلة!».
_________________________________
قصة قصيرة نشرت لإيهاب ممدوح في جريدة القبس الكويتية في  2013/11/28.
لرؤية القصة القصيرة على موقع جريدة القبس أضغط هنا .
إيهاب ممدوح
@Ehab_M_M

عمل خيري

أناشد كل زملائي في كل مدارس وجامعات الكويت بأن يقوموا ببداية العام الجديد بعمل خيري جماعي أو فردي، سواء سيكون هذا العمل الخيري داخل الكويت أو خارجها في الوطن العربي أو أفريقيا وبلادها الفقيرة، و لا يقتصر العمل الخيري على التبرع للأشخاص أو للدول بل أيضا يكون في السلوكيات والتصرفات... فكلمة خيري آتية من كلمة خير... فالخير هو أساس كل شيء، كم أتمنى أن يأتي علينا العام الجديد بالأخبار السعيدة من الأعمال تطوعية والرحلات للمستشفيات والمشاريع الخيرية المتنوعة المتجددة، لا أريد أن أسمع عن حادثة لشباب طائش هنا أو جريمة قتل لطلبة جامعة هناك أو حتى مشاجرات بين طلاب المدارس، العمل الخيري هو طريقنا إلى الخير وهو ما سيجعلنا نستطيع أن ننهض بالكويت ونعيد لوطننا العربي هيبته، ربما يستهين البعض بالكلام ولكن إن طبق كل شخص عملا خيريا في شخصيته وعلاقته مع أهله وأقاربه وأصدقائه وحياته العملية لأصبح حالنا أفضل كثيرا وتذكروا دائما قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم) ْ[الرعد:11]، أطلب منكم يا طلاب العلم في كل مكان في الكويت أن تعملوا الخير ولا تنتظروا المقابل فالمقابل عند الله عز و جل، وطلبي هذا لا بد أن ينفذ لأنه ليس شيئا اختياريا نفعله إذا أردنا ولا نفعله إذا لم نرد فعله، كلا يا أعزائي كلا... هو واجب إجباري لنا نحو وطننا إن لم نفعله اليوم فلا وجود لنا في الغد... أتمنى أن تكون وصلت رسالتي وأن يكون عام 2014 هو عام سعيد على كل سكان الكويت من أهليها ووافديها ويكون عاما مليئا بالعمل الخيري وعام الخير للكويت وأبنائها.

_____________________________________

مقالة كتبتها بصفتي الطلابية و نشرت في جريدة الراي الكويتية في 2014/1/4.
لرؤية المقال على موقع جريدة الراي أضغط هنا.

إيهاب ممدوح
@Ehab_M_M