الخميس، 27 نوفمبر 2014

خاتمة الإله الأخيرة




يقال أن الشعب المصري يعشق صنع الآلهة. الجديد اليوم أن القارئ المصري أصبح كذلك! لا أود أن أكون قاسياً، لكن “إنما للصبر حدودًا”.

لقد نصبه الكثير من الناس _رسمياً_ إلهًا، و الإله لا يحاسب و لا يسأل عن أفعاله، لذا سيتهمني نفس الناس في ما سأقول بالكفر، أنا حقاً لا أكترث، فأنا لا أعرف غير إله واحد بالتأكيد ليس هو، ما هو إلا صنم كبير سيلقى حتفه بمرور الزمن ليتركه الناس و يعبدوا غيره، أو على أقل تقدير سينسى لو دخل في قلبهم الإيمان.

قرأت له العديد من أعماله و تعجبت ليس مما وصل إليه، كلا، فأنا أعلم أن النجاح لا يعتمد كلياً على الجودة كما تعتمد نسبة كبيرة منه على الرزق و النصيب! كل ما جعلني أتعجب إلى حد الجنون هو عدم ادعاءه بالعبقرية أو معرفة بواطن الأمور فقط، لا، أصبح هذا أمراً معتاداً في الوسط الثقافي و جميع الأوساط الفنية و غيرها عامةً، لكن الوصول للتأليه كانت مرحلة جديدة من جنون العظمة لم نتعامل معها من قبل، أعود لأقول: الفرق ليس كبيرًا، في النهاية كلهم فاشلون.

بدأت له بالنبطي فبدأت أشكل فكرتي عنه بأنه “يأخذ في تمجيده أكثر مما يستحق” لكن لم تمثل هذه الفكرة أي مشاكل لي معه و لم تشكل عائقاً أمامي للاستمرار في قراءة باقي أعماله، لما تمعنت في قراءة كل من (محال) و(جوانتنامو) لم أجد سوى أسلوب ساذج في عرض الفكرة كما لو كان يسرد قصة أطفال، والمفترض أن ينبهر الجميع بعدها، و الغريب أن هذا ما حدث!

الأغرب أن هنالك نية لإكمال هذه المهزلة عن طريق جعلها ثلاثية، و هنا يأتي على بالي الإله أحمس لسبب مجهول.

لكي أكون محقاً فقد أبدع في (عزازيل)، ولكن هذا لا يعطيه الحق في أن يتنصب علينا إلهاً، فلو كانت هكذا لكان لنصرالله إبراهيم أو بهاء طاهر مثلاً الحق في خلق الآلهة، و هي مرحلة غير موجودة افترضت أنها أعلى من الإله ذات نفسه، أو بطريقة أخرى: كان من حقهم يضربوننا بالنار. أتذكر في مرة حكى لي صديق أنه كان في تجمع صغير و قال: “د.أحمد خالد توفيق كان محقاً لما قال أن عزازيل هي رواية الإله اللعنة، فهو لم يكتب غيرها”. لترد عليه صديقته: “عزازيل هي روايته اللعنة حقاً، لأنه لم يكتبها أصلاً”. أبحث في هذا الموضوع فتظهر حقائق كثيرة تدل على مصداقية كلام الفتاة، أنتهي من البحث ولا أهتم.

يظهر بوضوح على الفيس بوك ما يسمى بـ”خطرفة الإله”، فتارة يدعي الديمقراطية و الانفتاح و تارة يحظر معارضيه في الرأي حتى لو كان باحترام خالص، مرة يهاجم الشباب، الثوار منهم بالتحديد، بشكل غير مباشر و مرة ينادي بحرية ماهينور المصري! أحياناً يسخر من جهل الناس و أحياناً يذم السخرية مدعياً أن من نسخر منهم لم يختاروا ما هم فيه بمحض إرادتهم.. المزيد المزيد من “الهرتلة”!!

كل هذا مقبول، فالهذيان مباح للجميع، و لا أريد أن يعتبرني أحد من أعداء النجاح، و ليكن، ليُقل ما يقال طالما أني أقول ما آراه.. لم أقرر أن أكتب هذا المقال إلا حينما تكونت مشكلتي الحقيقية معه، و مشكلتي كانت أنه صدق كونه إلهًا أي “صدق نفسه” فعلياً، فقد ادعى مؤخراً بأن مذبحتي صبرا وشاتيلا قام بهما العرب وأن الصهاينة منها براء!

السؤال هنا لماذا؟ لماذا تفعل كل هذا؟ هل أصبحت الشهرة و إثارة الجدل حولك لإلقاء الأضواء على سيادتك أهم من فلسطين و الفلسطينيين؟ بسهولة اتهمت من عاشوا و ماتوا في بؤس بالخيانة لتزداد رفاهيتك الفانية؟ إنها لمأساة حين يخرج هذا الكلام منك، فأنت إله عظيم، كما سمعت، و كنت أظنك أفضل من ذلك، السهولة التي أعلن بها هذا الكلام تتناسب طردياً مع شجاعة الفلسطينيين الذين لم يؤلهوا فيه أشخاصًا مثلك!

ولو خيرتني بين السهولة و الشجاعة، و هما ليسا بصفتين متضادتين، لاخترت، بافتراض التضاد، أن أعيش بصعوبة أو أموت شجاعاً على أن أعيش سهلاً متناقضاً أغني لكل من لم أستطع أن أكون عليهم إلهاً نفس الجبان.

حاولت أن أضع نفسي مكانه لمدة ليست بقصيرة حتى أفهمه فخرجت منه بخاتمة روايته الأخيرة، وكانت الرواية عنه هو، و ها أنا أرجعها إليه:

“أنا.. من أنا؟.. أنا الإله الذي اختاروه ليعبدوه بعد أن تاهوا بين زحام الآلهة في خيالاتهم، أنا الإله المؤيد منهم لفعل كل شيء و أي شيء أريده مقابل أن يتلذذوا بعبادتي، هم يعشقون العبودية وقد أتى دوري لأكون إلههم، أرادوا أن يجدوا إلهاً جديداً بعد أن مات الآلهة الذين سبقوني في قبور أفكارهم. هم يشغلون أنفسهم بعبادة ربهم _الذي هو أنا_ بنفس المقدار تعاطيهم للمخدرات، أنا الإله الذي قرروا أن يتعاطوه مع المخدرات ليهدئوا من روعهم قليلاً.. تعاطوا المخدرات لكي ينسوا مآسي حياتهم، ونصبوني إلهاً لكي ينسوا إله الآلهة و رب الأرباب الذي لم ينسهم يوماً.

حاولت كثيراً أن أتنازل عن هذا المنصب و لكن في البداية كنت خائفاً من اللعنة و السخط، أما بعد أن توليته و مضيت فيه وقتاً، رأيت مميزاته و نعيمه فأيقنت أنني لن أعرف كيفية تركه أبداً.. حتى إن خرجت عليهم لأخبرهم بالحقيقة فماذا سيحدث؟ سيختارون إلهاً آخر مثل ما اختاروني و مثل ما سيفعلون بعد موتي. إن عقيدتهم في العبودية لا تتغير، ثابتة، إلى النهاية. حتى هؤلاء غير السعداء بتنصيبي إلهاً فهم لا يفرقون عن غيرهم بشيء، أولئك رفضوني ليس لتمسكهم بالحقيقة الواحدة بل لتمسكهم بإله آخر من نفس الكوكب!

ربما سيأخذون ذنوباً لا حصر لها بسبب عبادتي مما يجعلهم ضامنين دخول النار رغم كل ما فعلوه من طاعة و عبادة!ً مع ذلك أعي جيداً أنني سأدخل الجنة. فأنا لم آمرهم يوماً بأن يعبدوني و ما أجبرتهم على ذلك قط. أود أن أشكر أول شخص فكر في فكرة عبادة إله من الأرض، من نفس كوكبه و خلقته، حقاً أنا مدين لكم بالكثير. الآن سأعيش ليعبدوني، و غَداً سأموت لأحظى بالجنة، يا لي من محظوظ! شكراً يا مغفلين!”.

في نهاية المقال أود أن أقول عزيزي القارئ بأن لك حرية الحكم على هذه الخاتمة، فإن وجدتها سيئة عبثية خزعبلية متكبرة فقد أثبت نظريتي في الإله الذي تكلمت عنه و وضعت نفسي مكانه و أنا أكتب خاتمته أثناء عده التنازلي. أما لو وجدتها جيدة ممتعة عظيمة رائعة فتذكر أيضاً أن من كتبها هو أنا و بذلك أكون قد حجزت دوري في طابور الآلهة لتعبدني يوماً في الحياة و أدخل الجنة بعدها في الآخرة، هناك حيث لا يوجد إلا إله واحد.

_______________________________________

تم نشر هذا المقال في ساسة بوست بتاريخ 14 نوفمبر 2014.
لمشاهدة المقال من هنا.



إيهاب ممدوح
ExAy7@

لماذا أكره أدب نجيب محفوظ؟



مشكلتي مع أدب نجيب محفوظ لا تنتهي.. في البداية يجب أن أقول لمن فكروا في الوهلة الأولى التي قرأوا فيها العنوان بمهاجمتي أن المشكلة لا تتعلق بالطبع بالقيمة و الاتقان في الكتابة، فهذا الموضوع بالتأكيد لا خلاف عليه بنسبة كبيرة على الأقل، إنما هو أمر شخصي بحت ولكنه بالتأكيد أعوص و أصعب.. نجيب يتحدث عن الحارة.. عن البلد التي قالوا لي أنني أنتمي لها و إلى الآن لم أصدقهم.. يحكي حكاياتها و يتكلم عنها بجرأة دون أن يخاف من ذكر مساوئها و لكنه نهاية بشكل ما، حاولت كثيراً أن أعرفه و باءت محاولاتي بالفشل، يجعلك تحبها حتى لو لم يذكر لها حسنة واحدة، و حتى إن كانت النهاية مأساوية فسيظل ذلك السحر الخفي موجود و بقوة.. في الواقع، الواقع الذي كان يتحدث عنه نجيب تطور كثيراً تغيرت فيه أشياء لا حصر لها تغيراً جذرياً و لم يبق منه سوى السخط الذي بقي كما هو إن لم يزدد عن ما سبقه بمراحل عدة.. أكره أدب نجيب محفوظ لأنه يذكرني بما مضى و بما سيأتي.. يذكرني بأن "ولاد الحارة" لن ينتصروا أبداً على الفتوة حتى لو أدعوا ذلك بنصر زائف لينصبوا بعدها فتوة آخر لا يختلف عن من سبقه سوى في الشكل و المنظر، لن ينقطعوا عن عبادة "الفتوة" مهما تغير أسمه و شكله بل أنهم سرعان ما سيأتوا بواحد جديد بعد انتهاء من قبله ﻷنهم لا يستطيعون العيش بدونه و دون ظلمه.. يحزنني عندما يقول لي أن آفة حارتنا النسيان والتي مهما تغيرت فالنسيان هو مصيرها.. صراحةً أكرهه ﻷنه يجعلني عاريا أنا و بلدي أمام مرآة واضحة لا يوجد بها خطأ.. لماذا تفعل بنا ذلك يا نجيب؟.. أحمد الله أنك لست موجوداً الآن، في كتاباتك الماضية كانت الكراهية تتمثل على أنها عاطفة إيجابية تحاول من خلالها جعلنا أن نتغير أو على الأقل ألا نصبح أسوأ.. للأسف لا أحد يقرأ و التوغل مازال في ازدياد لانهائي.. لو كنت هنا الآن لكنت ستصرخ و تصيح في أدبك حتى تجعل من يقرأ لك لا يحتمل ليس فقط أدبك بل الحياة كلها.. و هذا ما حدث لي مما مضى فقط !

أكره أدبك يا نجيب و أفضل أن أتوه في أدب آخر في مكان آخر بلغة أخرى ولا أعي خطورة الأمر.. مثلاً أن أرافق أدب باتريك موديانو و الذي لا يقل عن أدبك في السرمدية و الضبابية، و لا يختلف عنه في الريبة و الخوف و البحث عن ملاذ لا يوجد.. الميزة فقط هنا أنه قد يصحبني في نزهة ليلية في الشتاء لشوارع باريس المضيئة التي طالما تمنيت أن أذهب إليها و أوقن لسبب مجهول أنني سأموت دون أن أفعل ذلك.. الفكرة لا تتوقف على باتريك فقط، و الذي هو مجرد مثال، بل تنطبق على كل من سيصحبني إلى مكان آخر أعيش فيه حياة أخرى.. لا أعلم لماذا أقول كل هذا الكلام و لكن أنا أكره أدبك يا نجيب ﻷنك تخبرني بأننا لن نوجد من جديد و هذا ما لا يؤلمني لكن ما يقهرني هو أنك تواجهني بمصيري في بلد لا أنتمي له كما تخبرني أيضاً بعدم مقدرتي على الإنسلاخ ﻷكون شخص أو شيء آخر ﻷنسى العربية قراءة و كتابة.. أتعلم؟ أرى خلف ابتسامتك في أغلب صورك حزناً ثابتاً له رائحة خاصة لا أتوه عنها.. حزن عندما أراه ألعن كل تلك الأشياء الجامدة في البلد.. ألعن حتى نفسي و الناس و الزمن و النجوم...

صرخت كثيراً في رواياتك، بلا صوت، بلا أمل، و ضاعت القيمة الحقيقة في أدبك وسط أصوات المهللين الأغبياء و لم يسمع أحد ما كنت تقوله بين السطور.. مع ذلك أنت لم تتوقف عن الصراخ، و أنا بعد كل ما كتبت لإثبات كرهي ﻷدبك، لن أتوقف عن القراءة لك.

________________________________________

تم نشر هذا المقال في كل من جريدة القبس والراي الكويتيتين.
لمشاهدة المقال في القبس من هنا.
لمشاهدة المقال في الراي من هنا.
لمشاهدة المقال في فيس بوك من هنا.




إيهاب ممدوح
@Ehab_M_M

إنسانية القتل



القتل يكون مفيد أحياناً.. نعم لا تتعجب عزيزي القارئ إذا قلت لك هذا ، ففيلم ثلاث أيام للقتل - 3Days to kill أثبت ذلك و بشدة، فهذا الفيلم الرائع بجميع المقاييس الانسانية -و ليست السينمائية- استطاع أن يجعل الإنسانية تصحو في المشاهدين.. إصطدام الإنسانية بالوحشية ، النزاع بين الوفاء للوعد و الإخلاص في أداء الواجب ، الشر الذي يؤدي إلى الطيبة اللامتناهية.. كل هذه العوامل ساهمت في نجاح الفيلم منذ بدايته عندما كان إيثان رانر (كيفين كوستنر) جاسوس دولي يؤدي المهام الخطرة و يواجه الأشرار ، حتى أصبح أب لفتاة طائشة مسؤول عنها و عن جميع تصرفاتها في العاصمة الفرنسية.. كان كيفين كوستنر موفقا جداً في دوره بحيث أنه أستطاع الجمع بين أغلب حوانب حياة الجاسوس و جميع جوانب حياة الأب.. و أقول جميع جوانب حياة الأب لأنه أعطى للأب العنان ليقوده طيلة الفيلم منذ أن كان يريد أن يكلم ابنته في أول الفيلم مروراً بانقاذها عندما تعرض لها مجموعة من الشباب في ملهى ليلي.. نهاية بعدم تنفيذه للقتل في نهاية الفيلم مع أنه كان بامكانه ذلك و بذلك يتم المهمة و يستطيع أن يأخذ الترياق الذي يعالجه من مرضه اللعين -و قد فعل ذلك لتلبية وعده لزوجته و حبا و خوفا على ابنته-.. و أنا حقا أحسده على ابنته الجميلة ، فهي استطاعت أن تثبت أنها كانت الأحق بالدور .. هالي ستينفيلد هي ابنته المذكورة أو زويرانر مثلما .. فهي ابنة طيبة رغم غطرستها ، جميلة رغم طيشتها ، بسيطة رغم تكلفها.. لقد أدت هالي ستينفيلد دورا للتاريخ سيفرق معها في مشوارها الفني كله و لوحظ التطوير الكبير في أدائها و الدليل على ذلك أنني لم أشك في لحظة لنها ابنة كيفين كوستنر .. و كما قلت الفيلم ناقش العديد من النواحي الانسانية بحيث ناقش قضية المستعمرين للشقق في فرنسا و كانوا مكروهين في بداية القصة و لكن بسبب الأمر الواقع ظلوا في الشقة و أثبتوا حسن نيتهم و أنهم قد يكونوا أفضل بكثير ممن يدعون انهم أصدقاءك ، كما تعددت المناقشات الخاصة بين الأب و ابنته و التي سيطرت على الطابع العام للفيلم ، نهاية بانقاذ الرجل الذي ساعده في التخلص من أعدائه و الذي كان على وشك أن ينتهي معهم بانقلاب السيارة التي كانوا فيها.. في حين كانت امبر هيرد تؤدي دورها بامتياز واضح كانت كوني نيلسن لا تؤدي دورها كما هو مطلوب .. كان اختيار الأشرار في الفيلم غير موفقا و كانوا سذج لدرجة أن الاشرار في الافلام القديمة ذو اللون الابيض و الاسود كانوا أشرس منهم ، الفيلم عامة نجح في اقناعنا بالعديد من الاشياء و ناقش قضايا مهمة جدا ، و لكن افتقد لعامل التشويق -و إن وجد- فهو لم يوجد بكثرة ، و ترقبوا هالي ستينفيلد بعد عدة سنوات ضمن افضل الممثلات في العالم إن لم تكن أفضلهم.

________________________________________

تم نشر هذا المقال في جريدة الراي عن فيلم 3 Days to kill بتاريخ 2014/3/17.
لمشاهدة المقال أضغط هنا.



إيهاب ممدوح
@Ehab_M_M