السبت، 15 مارس 2014

العم أيوبي

الأمل مازال موجودا، هكذا كان يقول دائما عم أيوبي، الذي كان يرمقني بنظرة طفل يبدو عليه البلاهة على الرغم من كبر سنه، إلا أنه ينشغل بإطعام قطة أو اللعب بالبالونات المليئة بالهيليوم الملقاة في الشوارع أكثر من انشغاله بان كان يلبس بنطاله بالشقلوب أم لا. اضحك يا بني ولا تحمل الهم فوق اكتافك! حكمة عظيمة من طفل عظيم اقصد من رجل عظيم.
لقائي بعم ايوبي يكون كل يوم صباحاً قبل الذهاب الى المدرسة، فأنا انتظر السيارة التي توصلني الى المدرسة عند ناصية عم ايوبي، حقاً هي ساحة مطعم شعبي قديم تحت بيتنا ولكن بسبب جلوس عم ايوبي هناك لمدة تفوق الخمسين عاما يومياً سميت بناصية عم أيوبي.
عم ايوبي رجل منحني الظهر، شائب الشعر أكثر من شيبة الشائب في أوراق الكوتشينه، قليل الحركة، يتميز بأنه لا يتميز بأي شيء على الإطلاق، شفتاه متهدلتان وصفا أسنانه يكادان ألا يكونا موجودين، وما تبقى منهما قد لا نستطيع عده على أصابع اليد، لا استطيع التخلص من هذا الشعور اللعين بأنني أكلم مومياء حية يوميا.
صباح الخير.. هكذا قلتها لعم أيوبي في صباح أول يوم في الامتحانات البغيضة!
صباح الأمل.. هذا هو رده علي بابتسامة تحملها براءة طفولية.
كيف حالك يا بني، سألني عم أيوبي.
رددت قائلا: لست بخير، في الواقع أنا متعب جداً!
سألني بلهفة: لماذا؟
قلت باستهتار: امتحانات، يكفيك الله شرها.
رد علي مغنيا: والله ما مستاهلة، الحياة سهلة!
لا أملك الوقت لكي اكمل كلامي مع هذا الطفل الكبير، فأنا عندي امتحان احياء وهي من أكثر المواد التي تحتاج الى تركيز حتى أتذكر كل شيء فيها.. سأتجاهله!
قربت الامتحانات على الانتهاء، ومن بعد ذلك اليوم لم أر عم أيوبي!
دخلت أسأل عليه طباخي المطعم، لا أحد يعرف عنه شيئا وكانت إجابة أحدهم: عم أيوبي لم يأت من قرابة أسبوع أعتقد انه آخر مرة جاء فيها كانت توافق يوم الاحد السابق.
بعد السؤال هنا وهناك على عم أيوبي الملاك، اكتشفت ان هذا الرجل الذي يأتي إلى حارتنا كل يوم لمدة خمسين عاما وأكثر وسميت ساحة باسمه لا يعلم أحد أين مأواه وأين مسكنه!
والله ما مستاهلة، الحياة سهلة.. كلمات عم أيوبي تتردد في أذني، تبا لا استطيع التخلص من صوته الذي يشعرني بالذنب لسوء معاملتي له! بحثت عنه في كل الحواري والارجاء المجاورة، «عم أيوبي يا عم ايوبي انا اسف يا عم أيوبي، عم ايوبي أين أنت؟» ولكني لم أجد ردا غير هذا الرد «والله ما مستاهلة، الحياة سهلة!».
_________________________________
قصة قصيرة نشرت لإيهاب ممدوح في جريدة القبس الكويتية في  2013/11/28.
لرؤية القصة القصيرة على موقع جريدة القبس أضغط هنا .
إيهاب ممدوح
@Ehab_M_M

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق