السبت، 10 يناير 2015

وأينك؟



1
أمسك قلمي شديد الثقل في تلك الصبيحة الغير مبهجة على الإطلاق. أكاد أقسم يا عزيزتي أن الحبر الجاري على ريشته يلعن شيطاني الذي صمم ألا يتركني أنام إلا وقد كتبت ما يريدني أن أكتبه. وأنا يا عزيزتي منذ فراقك أريد أن أنام.
لقد سارت الأمور من سيء إلى أسوأ في الفترة السابقة لرحيلك. أثارك موت أختي فاطمة في الاسكندرية أيُّما إثارة. فكانت الوعكة الأولي. وما أن رحلت دعاء، ابنة فاطمة، إلى سدرة المنتهى حتى عرفت يقينا أنك لن تتعافي من تلك الوعكة. ولكن أي ابن سأكون أنا إن قلت لك ذلك؟ لقد كان ثمة أمل في أن تتعافي ولكنني سرعان ما تقبلت فكرة أنك سترحلين لتتركيني وحيدا وشيطاني الذي توحّش وزادت مطالبه.
وكأنني أسمعك تسألين بصوتك الطفولي الذي يذكرني برائحة شطائر التوت. لم أدر بصوت يذكر صاحبه برائحة كما صوتك. أسمعك تسألين، طالما تقبلت فكرة رحيلي، فلماذا لا تستطيع النوم؟ أوه يا عزيزتي. فارق كبير بين أن أتقبل أمر ويتقبله شيطاني. فارق يكاد يطبق على ثنايا صدري فلا يتركني إلا وقد لحقت بك.
أنا أعرف أن الدود قد أخذ منك الآن أكثر مما أخذت أنا منك حناناً منذ ولدت في مشفى صغير على أطراف مدينة الكويت. أعرف أن روحك الآن قد أخذت وجودا ماديا في عالم موازٍ لا أستطيع له نفاذا. وأنا أتقبل ذلك. صدقيني يا عزيزتي أتقبله. لكن ذلك الجزء الذي يتحدث إلى قلبي لم يستطع هضم الفكرة بعد. ولو كنت أنام بعقلي فقط لاسترحت منذ زمن...


2
قد أبدو لك أنانيا. قد يقرأ شخص ما تلك الرسالة فيما بعد ليقول: “ذلك التعس، لم يكتب لأمه يشتكي من مر الفراق وإنما يشتكي من قلة النوم!” ولكنني أعرف ان كلماتي تلك لو وصلتك فستقدرينها حق قدرها. تعرفين تمام المعرفة أنني عندما أخبرك بالحقيقة فإنني أكون قد وصلت إلى أقصي درجات الحب التي أستطيعها. وعندما أقول كلاما معسولا فإنني في أغلب الأحيان لا أكون في المزاج المطلوب.
أريد أن أنام يا أمي. أريد أن أقنع قلبي، مثلما أقنعت عقلي، أن نهاية كل شيء حي هي التراب. وأن الحقيقة الكامنة أننا نحمل بين طياتنا الموت كما نحمل الحياة. وأن هناك موعد ما سأراكِ فيه. لقد فشلت يا عزيزتي فشلا لا أدري له أولا من آخر لذلك فقد قررت قرارا أعرف أنك لن تتقبليه. أعرف أن الأمر سيكون مفاجئا لك. ولكن صدقيني لم أجد حلا للموت سوى الموت.


3
وآهٍ على المرة الوحيدة التي استطعت نومها ! استيقظت بعدها وأنا دائخٌ وموجع الرأس… بدا بأن طريقي يومها طويل… لم أتنفس بأريحية. ماهذا؟ لعل شيئًا غريبًا حصل، أفكر.. ماذا فعلت البارحة؟ كل الأمور مبهمة.. الطريق يبدو قصيرًا لكنه طويل… لا أعرف، أصبحت غير متأكد. نظرت حولي… المكان خاوٍ ولكنه مليئ أيضًا، كل مشغولٌ بحاله.. ولا أحد يرد على صياحي ! تبًّا ! ماذا حصل البارحة؟ أين كنت؟ وكيف أتيت إلى هنا؟ الطرقات هنا جديدة علي، لم أعهد مثلها من قبل، تبدو مخيفة وسوداء..
ولكنك يا أمي لم تسمحي لي بالخروج مع الغرباء.. ولم تسمحي لي بأن ابتعد عن المناطق الآمنة… كيف لكِ اليوم أن سمحت بهذا؟ أين أنتِ؟ لم أعتد فراقك أيضاً… لم ترض لي, ابنك ذو الاثنا عشر ربيعًا, أن أذهب إلى البقالة بجانب بيتنا وحيدًا. أنا وحيدك.
كنت دائمًا تدللينني، يالدلالك وغيرة رفاقي لأن لدي أم مثلك. تباً.

4
أريدك أن تعرفي يا عزيزتي أن التفكير المنطقي من دونك مجرد كهرباء استاتيكية تمر في جانب عقلي الأيمن إلى الأيسر من دون أي لذة كما كانت في السابق. أريد أن أخبرك كيف أن الفلسفة لم تعد تجدي وأن القراءة أصبحت أثقل من عربات ألمانيا المصفحة وأن شوقي ليديك يكاد تفني له أجزاء من ذاكرتي فقط لتحفظ ذكري الملامسة تلك لأطول فترة ممكنة.
كان آخر ما هداني إليه التفكير المنطقي قبل أن يغلق العقل أبوابه ويطردني على قارعة الهوى هو أن قام بإخباري بالأسباب التي من أجلها سأموت. سأموت يا أمي لأنني أريد أن أنام ولأنني أخشى أن استيقظ في يوم من الأيام وقد نسيت كيف كانت لمسة يديك ولأنني خائف أن ينتهي بي الأمر إلى ألا أفكر منطقيا مرة أخري وأن تنكسر شوكة الفلسفة على صخرة المشاعر.

5
سأنتظرك يا أمي حتى يتحقق هذا الحلم.. ما هو الحلم؟ حسناً دعيني أحكي لكِ :
الناس حولي ينظرون إلي بنظرة غريبة، وكأنني مميز.. رابح… وكأني فزت باليانصيب. تخيف هذه النظرة، تبدو كنظرة زميلي صالحٍ حين كرمتني المدرسة كأفضل طالب في المرحلة الابتدائية في ذلك الوقت. أحب صالح، لكنه بغيض، يكره المشاركة وأناني من الدرجة الأولى. وعلى كوني وحيد أبٍ وأم، إلا أني لم أرب هكذا.. لم ترضِ يا أمي أن يكون لدي أي من هذه الصفات القبيحة.. مازلت أمشي، تبدو خطواتي ثابتة.. طريقي واضح.. ولكنني خائف.. الناس حولي يبكون.. مالذي أوصلنا لهذا.. كان التغيير ممكن، كان الأمر سهلًا.. فات الأوان وسحقًا.
 الطريق يضيق.. السرعة تثبت.. وصوتك يا أمي ينادي “ستصل.. ستصل يا حبيبي!" تعلوه ابتسامة أخرى وتختفي بأن ينظر لجانبه.. الطريق وسخ، ومظلم، ومليئ بما يبدو أنهم حثالة قوم، هل قامت حرب خلال نومي؟ لا.. إنه حلم.. أعلم أنه حلم..
طال الطريق، تذكريني بأن سأصل.. ولكني متعجب أصبحت أسمع صوت والدي أيضًا يناديه معكِ. أبي؟ لكن أبي لا يرد! فقط يقول بأن الحق أمي! والصوت من خلفي.. انظر من خلفي ولا أجده اقترب الطريق، أصبحت أسرع.. أرى الباب بوضوح.. يفتح الباب.. أرى الباب يا أمي أراه. يقترب.. أدخل الباب.. أراكِ يا أمي سعيداً وآخذ بحضنك.. أماه كان حلمًا غريبًا.. قلتِ مبتسمة :
."لا تخف، أنت بأمان"

6
أحد عناوين صحيفة اليوم: “توفى أمٌ وولدها في حالة سرقة لبيت في أحد ضواحي المدينة، توفت الأم بعد الضربة الأولى مباشرة، ونقل الولد إلى المستشفى في حالة حرجة حتى انتقل إلى رحمة الله بعد وفاة أمه بسويعات قليلة".
وفي الأمس… الأب في صلاة الجنازة يدعو لهما ويقول لولد صغير لاقاه بالصدفة هو يدعو لهما “الحق بأمك، الحق بأمك".

لمشاهدة القصة في جريدة الميدان

لمشاهدة القصة في جريدة الراي

لمشاهدة القصة في جريدة أخبار الأدب

إيهاب ممدوح
ExAy7@

العوائق التي تقف أمام أمريكا وروسيا ليكونا دولة واحدة


كتب هذا المقال في صحيفة واشنطن بوست وحاولت أن أترجمه لكم أعزائي متابعي "جريدة المليونية" بقدر الإمكان وباختصار، أرجو أن يكون مفيداً لكم.

أخذت العلاقات بين الدولتين، روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، في التوجه إلى منحنى منحدر خاصةً بعد تبادل الإنتقادات اللاذعة بين كلاً من الرئيسين الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين وحكوماتهما.
 ولكن ماذا عن مواطني البلدان؟ هل هما على خلاف كما يوحي كلام زعمائهم؟

أجرى مركز بيو للأبحاث ومعهد غالوب استطلاع آراء وعبر هذا الاستطلاع ظهرت آراء عديدة في هذه القضية من منظور كلا الشعبين ومن منظور عالمي. أيضاً كانت بيانات هذه الأبحاث تقدم أفكاراً مثيرة للاهتمام في ما أعتقد الروس والأميركيين حول بعضهم البعض. وكيف يختلفان في الكثير من الجوانب، وكيف يتشابهان في جوانب أخرى..

وهنا تعرف عزيزي القارئ قدر الاختلاف بين الأميركيين والروسيين, من خلال نظرتهم في بعضهم البعض ونظرة باقي العالم لهم, الأشياء المختلفة والمشتركة التي لم تك تتوقعها, وكل الأشياء, التي في رأيي, لا تفعل سوى أن تفصلهما عن أن يكونا دولة واحدة..


الاحترام الحكومي للحرية الشخصية

هل تحترم الولايات المتحدة الأمريكية الحرية الشخصية لمواطنيها؟

وأتى من ناحية التفكير في هذا الأمر، أن أقل من نصف الروس يظنون أن الحكومة الأميركية تحترم الحريات الشخصية، وتشكل هذه النسبة 20% أقل من نسبة العام الماضي. والمثير للاهتمام والملاحظة أنه قبل سنة واحدة فقط أجتمع الروس والاميركيين على رأي مماثل حول احترام الحكومة الأمريكية للحريات الشخصية بنسبة أعلى من هذا الاستطلاع الحالي. وقد ظهر انخفاض ضخم في هذا الرأي منذ حدوث الاضطرابات الأخيرة في أوكرانيا. فضلاً عن اكتشاف التجسس والأعمال الجاسوسية هنا وهناك لصالح وكالة الأمن القومي الأميركية.

وكانت نتيجة الاستطلاع السؤال الذي بدأت به الفقرة :

"لقد أجيب في عام 2013 بنعم نسبة 69% من الأميريكيين وأتت النسبة متقاربة جداً بنفس الإجابة عند الروس حيث كانت 67%

أما في 2014 فقد تغير الأمر تغيراً ملحوظاً، فقلت نسبة إجابة الأميريكيين بنعم إلى 63% وانهارت ثقة الروس حتى وصلت لنسبة 47% أي بنقص عن العام السابق ب20% !"

ثم، في استطلاع آخر عالمي، انخفضت الثقة في الولايات المتحدة الأمريكية من قبل البلدان أخرى، حيث يعتقد أغلبية المجيبين على الاستطلاع في العالم بنسبة 58% فقط أن الحكومة الأمريكية تحترم الحريات الشخصية لشعبها. وهذا أكثر من ضعف العدد الذي يعتقد نفس الشيء عن روسيا, والذي تكون نسبته 28% لا أكثر.
                                                               

آراء الروس والأميريكيين في بعضهم البعض

عامةً, أصبحت نظرة الروس والاميركيين في بعضهم البعض أكثر سلبية اليوم عن أي وقت سابق في السنوات ال 10 الماضية, وأستعنت بالرسم البياني التالي, من التقرير المترجم, ليوضح الهبوط المستمر في آراء الروس والأميركيين في بعضهم البعض بين عام 2002 وعام 2014.



الفكر العام نحو حكومات البلاد

تختلف طريقة تفكير عموم الناس بين البلدين، وبرز هذا الاختلاف في سؤال هام وهو : كيف ينظرون إلى قادتهم؟ ففي روسيا، بينما ارتفعت شعبية بوتين، نمى ضجر عام أميركي وبدأ يتزايد تجاه الرئيس أوباما.

وربطت شعبية بوتين القوية لحماسة الروس حول العمليات العسكرية للبلاد في أوكرانيا. ومع ذلك، فقد يكون هذا الدعم هش على المدى الطويل؛ أظهر الاستطلاع نفسه أن الرضا بالحياة هو حوالي 20% أقل عند الروس مقارنة بالأميركيين.


الحياة ولعبة الحظ!

ولو جئنا إلى المعيشة، فالروس هم كذلك أكثر احتمالاً من الأميركيين إلى الاعتقاد بأن على المرء أن يكون محظوظ المضي ليستطيع الأخذ قدماً في الحياة بنسبة 49%, وهو فارق ضخم موازاة للأميركيين الذين يظنون بالحظ ب19%.

وفي حين أن العديد من الروس يعتقدون أنهم بحاجة إلى أن تكون محظوظاً لتحقيق أهدافك، ما يقرب من النصف لا يعتقدون بالعيش في اقتصاد سوق حر من أجل القيام بذلك من الأساس.
- الخلاصة كما فهمت: يؤمن الروس بالحظ والحياة عكس الأميركيين المعتقدين بالاقتصاد الحر والمادة، وأنا من كنت أظن العكس!


المجتمع والحياة الجنسية

هنالك كذلك بعض الثغرات الواسعة بين الشعبين عندما يتعلق الأمر بالقيم الاجتماعية، مثل الموافقة على العلاقات الجنسية المثلية, فنجد ترحيب كبير بنسبة 72% لهذه العلاقات عند الروس, لكن الأميركيين قبولهم بنسبة 37% أي قبول ضعيف للعلاقات المثلية, أو يمكن أن نسميه رفض غير معلن.


فودكا كل شيء هنا فودكا


الحقيقة أن الروس هم أكثر ميلاً من الأميركيين في العثور على أن الشراب, شرب الخمور والكحوليات, من الأشياء الغير مقبولة أخلاقياً, فتفوقوا على الأمريكيين بنسبة 44% عن نسبة 14%؛ ربما تصدم هذه المعلومة عشاق الفودكا الروسية!

معلومة : أجتمع كلا الشعبان أن الفودكا هي نوع الكحوليات المفضل لديهما.


الأميركيون والروس والتفكير بالمثل

بعد كل ما سبق من اختلاف في الآراء والفكر, إلا أن في القضايا الاجتماعية الأخرى والعديدة يتوافق الروس والأميركيون في نفس الآراء تقريباً من حيث أرضيتها المشتركة على الأقل.
 على النحو الآخر، الأميركيين والروس هم فعلاً شبه لبعضهم البعض عن وجه شبههم بباقي سكان العالم في العديد من البلدان الأخرى،وسيظهر هذا في الرسم البياني التالي مثل ما هو موضح, والذي وجدت كذلك أنه من الأفضل أن أستعيره, من التقرير المترجم، على أن أشرحه شرحاً قد يطول..



إيهاب ممدوح
ExAy7@