الاثنين، 7 أبريل 2014

عابد

كان الكل يصفه بأنه غريب الأطوار ، شارد أحياناً ، و مجنون أحياناً أخرى ، لكنه لم يكترث بما يقولون و لم يأبه لانتقاداتهم الدائمة لشخصيته و تصرفاته ، فقد كان خالد أو كما سموه في الفترة الأخير بعابد يفعل كل ما يحلو له ، فلا توقفه حرمانية شئ ولا حتى يمتلك أخلاق أو ضمير يحاسبه ، فعل كل ما هو محرم بالفعل ، لم يكن يخشى الله ، فهو لم يؤمن بوجوده في الأصل ، و لكن ما استطاع أن ينكره خوفاً ممن حوله من الأهل و الأصدقاء و المجتمع الذي كان يصفه بالعقم في التفكير ، و بما أنه كان يعمل في السياحة فلم تستوقفه الرقابة كثيراً كما تستوقف عامة الناس ، فالقانون يردع عموم الشعب إلا العاملين في السياحة فهم بشكل أو بآخر فوق القانون.. بعد عودته من رحلة أقامتها شركته إلى إسبانيا قابل شخص طويل اللحية بشوش الوجه غليظ الصوت و كان يتميز بأسلوب بسيط يجذب من يسمعه في الكلام ، قدد قابل هذا الشخص في المطار في صالة انتظار الحقائب ، عامة هو لم يتعود أن يعطي هؤلاء الناس اهتمام ، ولكن كلام هذا الرجل كان مختلف ، فبالطبع عندما يقول لك شخص 《إن الله ليس راض عنك》في أول مرة يراك و يتحدث معك يصبح الأمر مختلف ، بعد أن سأله عن السبب و تكلم الرجل كلام كثير ، شعر بالاقتناع حتى لو لم يفهم مجمل الكلام ، أعطاه الرجل بطاقة خاصة به و بجمعيته الإسلامية و طلب منه أن يكلمه من الحين إلى الآخر فالباب مفتوح له في أي وقت.. بعد فترة من التفكير وجد أنه لن يخسر شئ إذا جرب ، فألتحق خالد بالجمعية و من هنا تحول اسمه إلى -عابد- أصبح ينادي باسم الجمعية للدعوة بالإسلام و أخبر جميع أصدقاؤه بالأمر و كان الكل معجب بالتزامه الديني ، فهو مثال للشاب الخلوق المتدين المحب لدينه ، لكن هذا الأمر لم يستمر كثيراً ، و يبدو أن هذا الإعجاب قد تحول إلى حسد ، فمع أول سفرية جديدة للشركة الخاصة بالسياحة التي يعمل بها عاد مرة أخرى للفواحش التي كان يتلذذ بها دون أي ندم.. بعد أن عاد و قابل أصدقائه في الجمعية كان يريد أن يروي لهم ما حصل له لكن خوفه منعه ، لم يوجد هناك سبب معين لخوفه و لكنه أعتاد على هذا الخوف من صغره في المدرسة هو و زملائه الذين لا يختلفون عنه في شئ.. مع الوقت أصبح يبتعد عن رفاقه الجدد و يغيب عن الكثير من المحاضرات ، عاد كما كان -مع اختلاف بسيط في زيادة طول لحيته- و لم يحزن على نفسه أبداً ، كان يتساءل في نفسه 《كيف ألقيت بنفسي في هذا الجحيم》و ليس هذا و فقط ، بل كان يسخر من هؤلاء الناس أمام أصدقاءه في العمل و أمام السياح.. و بعد عدة سنوات كان في حفل زفاف أحد أقاربه فسمع شخص ما يناديه من بعيد ب-عابد- ، ظن بداية أن هذا النداء ليس موجه له و لكن هذا الصوت مألوف عنده ، ألتفت و كان من توقعه هو الذي ينادي ، أحتضنه أبو الطيب -ذلك الرجل الذي قابله في المطار و الذي ضمه إلى الجمعية- بحرارة ، بعد أن سأله عن أحواله و أخباره و عن سبب تواجده في هذا الفندق ، طلب أبو الطيب من عابد أن يحضر الندوة التي ستقام بعد ساعتين في القاعة المجاورة ، طلب من ابو الطيب أن لا يناديه باسم عابد أمام الناس في حفل الزفاف لأن لا أحد يعرفه بهذا الاسم كما حاول الاعتذار كثيراً و ما أتت اعتذاراته بنفع أمام إصرار أبا الطيب.. حضر خالد الندوة و بالطبع حضرها باسم عابد ، كانت الندوة تتحدث عن اليوم الآخر ، هنا شعر عابد بخوف لم يشعر به على مر حياته ، 《ما هي النهاية ؟》 هكذا سأل نفسه و لم يجد إجابه ، لازمه ذلك الخوف طيلة عمره حتى أصبح يحضر كل جلسة أو صلاة تابعة للجمعية يحضر فيها شيخ شهير بالجلالة و الحكمة ، لم يبتعد عن معاصيه و لم ينتظم في الصلاة حتى صلاة الجمعة و لكنه زاحم نفسه بالحضور لأكابر الشيوخ و العلماء على فترات متقاطعة ، رغم كل ذلك لم يشعر بالطمأنينة أو جزء منها على الأقل.. يقولون أن العبادة تهذب النفس و تطمئنها لكنه لم يشعر بأي شئ.. زاولته الشكوك في وجود الله مرة أخرى حتى أنقطع عن الحضور لمناسبات الجمعية و الأفحم من ذلك أنه ترك عمله.. جلس في بيته وحيداً في حالة نفسية مضطربة للغاية ، حاول العديد من الناس مع اختلاف صلتهم به مساعدته لكنه رفضهم بشتى الأساليب ، كاد يجن ، يريد أن يشعر بالهدؤ و السكون و الراحة الذي يفتقدها ، كان ضباب التيه في داخله أقوى من نور الحق.. مرت ليال كثيرة دون أن يذق فيها طعم النوم.. أدرك أن لذة الدنيا زائلة و أن العبادة زائفة فقرر لأول مرة في حياته أن يحطم خوفه و أن ينطلق كالعصافير من نافذة بيته ليحلق في السماء بحثاً عن الطمأنينة التي طالما بحث عنها. بالفعل فعلها و كان في غاية السعادةفي البداية. ربما كان هذا الشئ الجيد الوحيد الذي ارتكبه في حق نفسه، فبالنسبة لحالته كان هذا هو الخلاص. في القبر الأسود صحى و علم أنه لم يحلق ليجد الطمأنينة. بل أنكفى ليوضع في الجحيم الحق. فتأكد أن متع الدنيا زائلة و لكن العبادة لم تكن في يوم زائفة. فخطأ عابد ليس أنه أصبح عابدا بل لأنه لم يعرف من يعبد.

إيهاب ممدوح
@Ehab_M_M