الاثنين، 7 يوليو 2014

في رثاء غسان كنفاني




"يموت الابطال دون أن يسمع بهم أحد" - غسان كنفاني

لم أرد قط أن آخذ شخصا ما بعينه قدوة أو مصدر إلهام مثلما يغعل الكثير من الناس. كنت دوماً أريد أن أكون نفسي و ألا أتأثر بشخص حتى لا أشابهه فأصبح مجرد تكرار فارغ، بعدها عندما قرأت له علمت أن تأثري بشخص ما لا يقل من شخصي بل يزيدني و يطورني حتى أنني قد أصبح أفضل منه. دائماً هنالك أشخاص استثنائيين. هذا ما وجدت.

 اليوم الثامن من تموز يوافق الذكرى الثانية و الأربعون لاستشهاد "البطل" أو بطلي المفضل على الأقل غسان كنفاني. لا أعرف من أين أبدأ خاصةً بعد أن سادت العتمة حياتنا.. كقارئ أنا حزين.. و ككاتب أنا مقهور.. في أول مرة قرأت لغسان كنفاني كان -و لحسن حظي- كتاب (رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان) و حينها تعجبت بحق. طوال عمري لم أجد في شخصيات الكتاب الذين قرأت لهم شخصية مثل غسان. فحوالي النصف ينادون بالثورة و الغضب يملأهم لدرجة فاقت كراهية العدو و هي كراهية الأهل و الوطن و الحياة أحياناً، و البعض الآخر كتاب رومانسيين يتكلمون عن دنيا غير الدنيا ولا كأن هنالك وطن يحتل أو حرب تشتعل.. أما غسان هو العاشق الثائر، الذي لم يجعل ثورته الغاضبة ضد العدو تغطي على أحاسيسه و لم يترك أحاسيسه تنسيه القضية التي عاش و مات من أجلها. كقارئ أنا حزين لأنني كنت أتمنى أن يعطي الله غسان عمراً أكبر، أولاً لتزداد حصيلة كتاباته التي لم أشبع منها يوماً ولم أمل أبداً من تكرار قراءتها.. ككاتب أنا مقهور لعدة أسباب و أولها أنني أفتقد معلمي. نعم، أعتقد أن غسان هو من علمني الكتابة أو بالأحرى هو من علمني كيف أجعل لكتاباتي روحاً. قرأت (عائد إلى حيفا) فعرفت معنى الوطنية الذي أفتقدناه في زمننا الرديء، رأيت معنى الإنسانية الحقيقي الذي لم أره يوماً، كان غسان في هذه الرواية يرى خيط النور في الظلام الدامس، جعلني أنفعل معه لدرجة أنني عندما أنتهيت منها شعرت أنني منهك و مرهق بسبب اندماجي الشديد مع أبطال الرواية حيث شعرت حينها أنني واحد منهم. آه و ألف آه كم تمنيت أن أكون أنا من كتب هذه الرواية.. قرأت له (الشيء الآخر) فدخلت مدرسته الرائعة في القصة ولولا علمي بأنه لم يشتغل محامياً أبداً لظننت -من كثرة الواقعية و الإتقان- إنها قصة حياته.. و قرأت له الكثير من الروايات و القصص لكن تلك الروايتان كانا الأقرب إلى قلبي لسبب مجهول. أما أكثر ما يؤلمني ككاتب هو النسيان..... أعتقد أن كل هذه الكلمات لن توفي غسان حقه. غسان أكبر بكثير من أن أصفه أو أن أتكلم عنه أو أن أقيمه فحاشا لله أن أقيم أستاذي. من النادر أن تجد في الحياة رجال رائعون. أتصور أن أقصى ما يمكن أن تجده هو أنصاف الرائعين و المدعين بذلك. لأن الرائعون أنتهوا مع رحيل الشهيد غسان. فكيف تجد شيء له صلة بذلك و أمة نائمة مثل أمتنا لا تتذكر ذكرى استشهاد بطل مثل غسان و يسكنها النسيان الذي جعلها تنسى كل شيء فأصبح العدو صديق و الصديق عدو. من الجانب الإيجابي أرى أنه من الجيد أن غسان لم يحضرنا في تلك الحالة البائسة و لم ير وطنه و هو يسحق كل يوم أكثر من ذي قبله. و حتى و إن شعر بداخله بشيء خطأ فسيكون أفضل بمراحل من أن يشاهد الحال على أرض الواقع، فغسان أيضاً لا يموت إلا من الداخل. أخيراً،  معلمي الغريب. الآت بسلام و راحل دون كلام. العاشق الثائر. صديقي و ونيس وحدتي. أخي الكبير و بطلي الوحيد. من عاش بلياقة و سبب إزعاجا كثيراً. نم في سلام يا صديقي فأنت في داخلنا. ولا تشغل بالك بنا ﻷننا لا نستحق. أراك في النهاية حيث أتفقنا أن نجلس مع بعضنا و نتكلم كثيراً ولا يوقفنا إلا النوم. فأستيقظ أرجوك.

إيهاب ممدوح
@Ehab_M_M

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق