الخميس، 27 نوفمبر 2014

لماذا أكره أدب نجيب محفوظ؟



مشكلتي مع أدب نجيب محفوظ لا تنتهي.. في البداية يجب أن أقول لمن فكروا في الوهلة الأولى التي قرأوا فيها العنوان بمهاجمتي أن المشكلة لا تتعلق بالطبع بالقيمة و الاتقان في الكتابة، فهذا الموضوع بالتأكيد لا خلاف عليه بنسبة كبيرة على الأقل، إنما هو أمر شخصي بحت ولكنه بالتأكيد أعوص و أصعب.. نجيب يتحدث عن الحارة.. عن البلد التي قالوا لي أنني أنتمي لها و إلى الآن لم أصدقهم.. يحكي حكاياتها و يتكلم عنها بجرأة دون أن يخاف من ذكر مساوئها و لكنه نهاية بشكل ما، حاولت كثيراً أن أعرفه و باءت محاولاتي بالفشل، يجعلك تحبها حتى لو لم يذكر لها حسنة واحدة، و حتى إن كانت النهاية مأساوية فسيظل ذلك السحر الخفي موجود و بقوة.. في الواقع، الواقع الذي كان يتحدث عنه نجيب تطور كثيراً تغيرت فيه أشياء لا حصر لها تغيراً جذرياً و لم يبق منه سوى السخط الذي بقي كما هو إن لم يزدد عن ما سبقه بمراحل عدة.. أكره أدب نجيب محفوظ لأنه يذكرني بما مضى و بما سيأتي.. يذكرني بأن "ولاد الحارة" لن ينتصروا أبداً على الفتوة حتى لو أدعوا ذلك بنصر زائف لينصبوا بعدها فتوة آخر لا يختلف عن من سبقه سوى في الشكل و المنظر، لن ينقطعوا عن عبادة "الفتوة" مهما تغير أسمه و شكله بل أنهم سرعان ما سيأتوا بواحد جديد بعد انتهاء من قبله ﻷنهم لا يستطيعون العيش بدونه و دون ظلمه.. يحزنني عندما يقول لي أن آفة حارتنا النسيان والتي مهما تغيرت فالنسيان هو مصيرها.. صراحةً أكرهه ﻷنه يجعلني عاريا أنا و بلدي أمام مرآة واضحة لا يوجد بها خطأ.. لماذا تفعل بنا ذلك يا نجيب؟.. أحمد الله أنك لست موجوداً الآن، في كتاباتك الماضية كانت الكراهية تتمثل على أنها عاطفة إيجابية تحاول من خلالها جعلنا أن نتغير أو على الأقل ألا نصبح أسوأ.. للأسف لا أحد يقرأ و التوغل مازال في ازدياد لانهائي.. لو كنت هنا الآن لكنت ستصرخ و تصيح في أدبك حتى تجعل من يقرأ لك لا يحتمل ليس فقط أدبك بل الحياة كلها.. و هذا ما حدث لي مما مضى فقط !

أكره أدبك يا نجيب و أفضل أن أتوه في أدب آخر في مكان آخر بلغة أخرى ولا أعي خطورة الأمر.. مثلاً أن أرافق أدب باتريك موديانو و الذي لا يقل عن أدبك في السرمدية و الضبابية، و لا يختلف عنه في الريبة و الخوف و البحث عن ملاذ لا يوجد.. الميزة فقط هنا أنه قد يصحبني في نزهة ليلية في الشتاء لشوارع باريس المضيئة التي طالما تمنيت أن أذهب إليها و أوقن لسبب مجهول أنني سأموت دون أن أفعل ذلك.. الفكرة لا تتوقف على باتريك فقط، و الذي هو مجرد مثال، بل تنطبق على كل من سيصحبني إلى مكان آخر أعيش فيه حياة أخرى.. لا أعلم لماذا أقول كل هذا الكلام و لكن أنا أكره أدبك يا نجيب ﻷنك تخبرني بأننا لن نوجد من جديد و هذا ما لا يؤلمني لكن ما يقهرني هو أنك تواجهني بمصيري في بلد لا أنتمي له كما تخبرني أيضاً بعدم مقدرتي على الإنسلاخ ﻷكون شخص أو شيء آخر ﻷنسى العربية قراءة و كتابة.. أتعلم؟ أرى خلف ابتسامتك في أغلب صورك حزناً ثابتاً له رائحة خاصة لا أتوه عنها.. حزن عندما أراه ألعن كل تلك الأشياء الجامدة في البلد.. ألعن حتى نفسي و الناس و الزمن و النجوم...

صرخت كثيراً في رواياتك، بلا صوت، بلا أمل، و ضاعت القيمة الحقيقة في أدبك وسط أصوات المهللين الأغبياء و لم يسمع أحد ما كنت تقوله بين السطور.. مع ذلك أنت لم تتوقف عن الصراخ، و أنا بعد كل ما كتبت لإثبات كرهي ﻷدبك، لن أتوقف عن القراءة لك.

________________________________________

تم نشر هذا المقال في كل من جريدة القبس والراي الكويتيتين.
لمشاهدة المقال في القبس من هنا.
لمشاهدة المقال في الراي من هنا.
لمشاهدة المقال في فيس بوك من هنا.




إيهاب ممدوح
@Ehab_M_M

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق